إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات عسكرية / نظرية الأمن الإسرائيلي





نظام القبة الفولاذية
مقطع لمدينة القدس
التهديدات الخارجية المعادية لإسرائيل

أوضاع الدفاعية الإسرائيلية في الجولان
أوضاع الدفاعية الإسرائيلية في سيناء
المناطق العازلة
الأوضاع النهائية في فلسطين
الهجمات الإسرائيلية على سورية
الضربة الجوية كولمب
العمليات على الجبهة الأردنية
العملية العين (حوريب)
العملية عوفداه
العملية قادش المعدلة
ضربة صهيون
عملية السلام من أجل الجليل



كلية الملك عبدالعزيز الحربية

أولاً: تطور نظرية الأمن الإسرائيلي، بعد حرب أكتوبر 1973: (من عام 1982 حتى عام 1991)

تأثرت نظرية الأمن الإسرائيلية، بحدثين هامين، أحدهما كانت إسرائيل طرفاً فيه (حرب سلامة الجليل 1982)، والثاني طالتها تداعياته (حرب الخليج الثانية 1991):

1. حرب سلامة الجليل، لبنان، عام 1982

في ربيع عام 1981، كانت الحرب الأهلية في لبنان مازالت مستمرة، وفي الوقت نفسه كانت منظمة التحرير الفلسطينية، بعد انتقالها من الأردن إلى لبنان، تدير عمليات المقاومة ضد إسرائيل، من جنوب لبنان. وفي يوليه 1981، فتحت القوات التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية، نيران المدفعية وصواريخ الكاتيوشا، على المدن والقرى الإسرائيلية في الجليل الشمالي، لمدة عشرة أيام، مما أسفر عن خسائر مادية ومعنوية، عطلت الحياة الطبيعية (زراعة ـ صناعة ـ سياحة) في الجليل الشمالي. وكان رد الفعل الإسرائيلي سريعاً وقوياً، بواسطة المدفعية والطيران. وعلى الرغم من الاتفاق بوساطة أمريكية (فيليب حبيب ـ "Philip Habib") على وقف إطلاق النار، إلا أن الاختلافات في وجهات النظر سرعان ما طفت على السطح مرة أخرى، وعادت أعمال المقاومة الفلسطينية مرة أخرى، ليس من الحدود اللبنانية هذه المرة، بل ومن الحدود الأردنية، وضد الأهداف الإسرائيلية في أوروبا.

في 3 يونيه 1982، جرت محاولة اغتيال السفير الإسرائيلي في لندن، واتخذتها إسرائيل سبباً لتنفيذ مخططاتها الوقائية، طبقاً لنظرية الأمن. فشنت يوم 4 يونيه 1982، هجمات جوية ضد أهداف لمنظمة التحرير في لبنان، شملت عدة معسكرات فلسطينية، في مناطق مختلفة من لبنان، خاصة في الجنوب، وهو ما أدى إلى تصعيد الموقف، بقصف منظمة التحرير للجليل الشمالي بإسرائيل، بنيران المدفعية والكاتيوشا، محدثة خسائر ملموسة، واتخذتها إسرائيل ذريعة لتشن هجوماً واسعاً الساعة الحادية عشر صباح يوم 6 يونيه 1982، أطلقت عليه اسم عملية "السلام من أجل الجليل".

أعلنت حكومة إسرائيل أن الهدف من العملية، تأكيد وضمان خلو المنطقة شمال الحدود الإسرائيلية (جنوب لبنان) من جميع العناصر المعادية، للمسافة التي تحقق أمن القرى والمدن الإسرائيلية على طول الحدود، بعيداً عن مدى المدفعية وصواريخ الكاتيوشا الفلسطينية، من خلال عزل منطقة يصل عمقها إلى 25 ميلاً داخل الحدود اللبنانية (حزام أمني).

كانت إسرائيل قد حشدت قوة مدرعة كبيرة، تتكون من 8 لواءات،تساندها عناصر المدفعية والقوات الجوية. وكانت الخطة الإسرائيلية تقضي بالعمل على ثلاثة محاور:

أ. المجموعة الأولى: تتقدم على طول السهل الساحلي، وتصل إلى المنطقة شمال الدامور، أو الضواحي الجنوبية لبيروت والمطار الدولي.

ب. المجموعة الثانية: تتقدم خلال الشوف، وتقطع طريق بيروت دمشق بمنطقة عين دارا، إلى غرب شتورا.

ج. المجموعة الثالثة: في الشرق وتطهر الأرض من عناصر المقاومة الفلسطينية، حتى الجزء الجنوبي من وادي البقاع.

ومع أن الهدف الرسمي المعلن، كان تطهير المنطقة شمال الحدود الإسرائيلية لمسافة 25ميلاً، إلا أن العملية سرعان ما تطورت، وخرجت عن إطارها المعلن (وإن كانت مخططه، في مهام المجموعات على المحاور) لتصل إلى الضواحي الجنوبية لبيروت، الأمر الذي أدى بالضرورة، إلى القتال المباشر ليس مع قوات منظمة التحرير الفلسطينية فقط، بل امتد ليشمل القوات السورية في لبنان، ولتشارك فيه القوات الجوية، وقوات الدفاع الجوى، والتشكيلات المدرعة، وقوات الصاعقة السورية، وهو ما يشير إلى اتساع المواجهة الإسرائيلية من جانب[1]، وكل من سورية ومنظمة التحرير من الجانب الآخر. فقد تقدمت القوات الإسرائيلية بعد قتال شرس كبد جميع الأطراف، بما فيهم المدنيين، خسائر كبيرة، لتصل جنوب بيروت يوم 12 يونيه 1982. ثم حاصرت كل المنطقة غرب بيروت، وحققت اتصالاً بقوات الميليشيا المسيحية في شرق العاصمة اللبنانية. وحتى يوم 14 يونيه، لم يكن الاستيلاء على معسكر عين الحلوة قد وقع بعد، وقد قاتلت قوات منظمة التحرير الفلسطينية عن المعسكر بعد ذلك، بعناد وعنف. تورطت إسرائيل في الجنوب اللبناني. وحاولت عقد اتفاق مع الحكومة اللبنانية، كادت تنجح فيه، حينما تم انتخاب بشير الجميل (في نهاية أغسطس)، الذي تربطه علاقات تعاون مع إسرائيل لرئاسة لبنان، إلا أن اغتياله في 14 سبتمبر 1982، أسقط الآمال الإسرائيلية، التي كانت معقودة عليه. كانت الكارثة حين سمح القائد العام الإسرائيلي، في بيروت، بناء على تعليمات وزارة الدفاع الإسرائيلية، بتنسيق دخول الميليشيات المسيحية المسلحة، إلى معسكرات اللاجئين الفلسطينيين، في صابرا وشاتيلا. وحدثت المجزرة التي راح ضحيتها عدة مئات من الفلسطينيين (رجالاً، ونساء، وأطفالاً)، وهو ما ألب الرأي العام العالمي على إسرائيل، والرأي العام الإسرائيلي كذلك، وشكل ذلك ضغوطاً على رئيس الوزراء مناحم بيجين، الذي لم يجد بدا من تنفيذ حكم المحكمة العليا الإسرائيلية، بتنحية كل من إرييل شارون وزير الدفاع، ومدير الاستخبارات العسكرية، بعد أن وجهت المحكمة اللوم لرئيس الوزراء على نقص سيطرته الحازمة. وشمل ا للوم كذلك رئيس الأركان، ووزير الخارجية إسحق شامير، وعدداً آخر من المسؤولين.

تم التوصل في مايو 1983، لاتفاق إسرائيلي / لبناني يقضى بانسحاب جميع القوات الأجنبية من لبنان، غير أن هذا الاتفاق سقط هو الآخر. انسحبت إسرائيل بعد ذلك من لبنان، عدا الحزام الأمني في الجنوب، الذي يضم حوالي 100 ألف مواطن لبناني (60% من المسلمين الشيعة، 40% من المسيحيين)، وأنشأت جيش جنوب لبنان، تحت قيادة الرائد اللبناني المنشق سعد حداد، في إطار اتفاق يوليه 1983، الذي تم بموجبه، إخراج منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان كذلك. فوزعت على عدد من الدول العربية، بينما نُقلت قيادتها إلى تونس.

كانت تلك آخر مواجهة عسكرية كبيرة خاضها الجيش الإسرائيلي في القرن العشرين، إلا أنه ظل يتعرض لحرب استنزاف مستمرة مع "حزب الله" اللبناني، المدعوم من عناصر داخلية وخارجية. ولم تجدِ كل الوسائل والأساليب المتاحة لجيش الدفاع الإسرائيلي، ضد المقاومة اللبنانية. وبذلك، عادت إسرائيل للمرة الثالثة تعمل في إطار "رد الفعل"، بعد أن فقدت المبادرة للمرة الثالثة كذلك. ولمواجهة الضغوط الداخلية نتيجة، الخسائر المستمرة، أعلنت الحكومة الإسرائيلية عن استعدادها للانسحاب من لبنان، في إطار اتفاقية أمنية، غير أن الجانب اللبناني رفض ذلك معلنا أن الحل لابد أن يشمل سورية ولبنان في آن واحد، أو الانسحاب الإسرائيلي من جانب واحد، دون شروط، وهو ما ترفضه إسرائيل. ارتفعت الخسائر الإسرائيلية، واستطاعت المقاومة اللبنانية قصف مستعمرة "كريات شمونة" بالصواريخ، في أواخر ديسمبر 1998، لتثبت عدم جدوى الحزام الأمني، الأمر الذي دفع بعض المتشددين الإسرائيليين، إلى المطالبة بانتهاج إستراتيجية وقائية، بالضغط على الحكومة اللبنانية، بالقصف الجوى لبعض أهداف البنية التحتية اللبنانية، وقصف العاصمة اللبنانية. غير أن هذه الدعوة لم تجد من يؤيدها.

أدى الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982، إلى تطورات مهمة، ومع أن الغزو لم يكن حرباً شاملة بالمفهوم العسكري الدارج، الذي يعنى استخدام كل أو معظم القوات المسلحة الإسرائيلية. إلا أن آثار الغزو انعكست على نظرية الأمن القومي الإسرائيلي، دون تغيير في جوهرها، عدا بعض المبادئ غير الرئيسية، التي فرضها الواقع في جنوب لبنان. من وجهة أخرى، فإن الغزو الإسرائيلي للبنان في يونيه 1982، عبّر عن اكتمال نمو الدولة وأسلحتها[2]، إلى الحد الذي بدأ البعض يتصور أنها حرب تجريبية اختيارية، يتم في إطارها اختبار مدى دقة وكفاءة الأسلحة الإسرائيلية.

2. أهم الانعكاسات لحرب لبنان، على نظرية الأمن الإسرائيلي، حتى نهاية الثمانينيات

أ. السمة العدوانية لنظرية الأمن

تصاعدت تلك السمة خلال العملية، إذ حُشد حجم من القوات يفوق عدة أضعاف حجم الطرف الآخر (منظمة التحرير الفلسطينية)، فضلاً عن التقنية المتوفرة لدى الجيش الإسرائيلي، في مواجهة أسلحة فلسطينية متخلفة في معظمها. ويُعد توسيع نطاق العملية لاحتلال عاصمة عربية، للمرة الأولى، بادرة عدوانية كذلك، تخطت كل الأعراف، كما تخطت الأهداف الرسمية المعلنة بواسطة الحكومة الإسرائيلية نفسها، وهو ما تؤكده نظرية وايزمان وزير الدفاع الأسبق، في ضرب المراكز الرئيسية لدى الخصم، والتحول من احتلال التخوم إلى احتلال العواصم، والمناطق الإستراتيجية العربية. لم تفرّق إسرائيل بين عناصر المقاومة التي تستهدفهم، وبين المدنيين العزل من الفلسطينيين واللبنانيين، النساء والأطفال. كما أن الأسلوب الإسرائيلي، الذي أتُبع مع "حزب الله" لا يفرق بين عناصر المقاومة وبين المدنيين، من خلال الردع الانتقامي العشوائي اليومي. ولعل القصف الإسرائيلي لمنطقة قانا، الذي أدانته الأمم المتحدة وأدى في أواخر ديسمبر عام 1998 إلى قتل سيدة وأطفالها الستة، خير دليل على تصاعد عدوانية نظرية الأمن الإسرائيلي.

ب. نظرية الشعب المسلح

لم يتغير هذا المبدأ، ولأن العملية كانت محدودة، ولم تشكل حرباً شاملة، لذلك لم تُعلن إسرائيل التعبئة الشاملة، وإن كانت قد عبأت جزئيا بعض قوات الاحتياط.

ج. مبدأ العمل الوقائي

استمر العمل الوقائي يُشكل ركيزة أساسية لنظرية الأمن الإسرائيلية، فهي تستخدمه في مرونة طبقاً للحدث. فبينما كان العمل الوقائي شاملاً في مواجهة مصر في حربي عام 1956، 1967، كان محدوداً في تدمير المفاعل النووي العراقي "أوزراك" في 7 يونيه 1981. وفي هذه العملية، فعلى الرغم من الإعلان الرسمي عن أنه عمل وقائي محدود الأهداف، إلا أنه تم توسيع نطاقه طبقا للرؤية الميدانية في مسرح العمليات، التي قررها وزير الدفاع "إرييل شارون ـ Ariel Sharon". أكدت هذه العملية استمرار اعتناق إسرائيل لمبدأ العمل الوقائي، بصورة رسمية، ومستوياته المختلفة كإحدى الركائز الرئيسية لنظرية أمنها، مع استعدادها للتحول من العمليات المحدودة إلى العمليات الواسعة، التي تستخدم في أحداث تغييرات جذرية في الموقف السياسي العسكري.

د. الحدود الآمنة

مضمون العملية وأهدافها المعلنة، تأتي في إطار تأمين الحدود الشمالية لإسرائيل، من خلال إنشاء نطاق (حزام) أمني خارج حدودها، في جنوب لبنان. وهو تطبيق مباشر لنظرية الأمن، من خلال مبدأ الحدود الآمنة، ولكن في صورة أخرى، اختلفت عن ما نادت به عقب حربي 1967، 1973، إذ أنشأت نطاق (حزام) أمني، خارج حدودها، تعمل فيه قوات لبنانية بالوكالة نيابة عنها (قوات سعد حداد المسماه جيش جنوب لبنان)، مع إشرافها الكامل على تنظيمه وتسليحه وإعداده، كذلك، الدعم والمشاركة معه، في كل المجالات البرية والجوية.

كانت الأحزمة الأمنية تمثل جزءاً دائماً من نظرية الأمن الإسرائيلي. فمنذ إنشاء الدولة، كان لهذه الأحزمة أشكال مختلفة، طبقاً للظروف الأمنية والسياسية السائدة في كل فترة، ومن أمثلتها المناطق منزوعة السلاح، ومناطق تخفيف القوات، وما شابه ذلك. ومع أن وضع هذه الأحزمة متبايناً، إلا أنها جميعاً ذات قاسم مشترك واحد، فقد أقيمت بهدف التغلب على النقص في العمق الإستراتيجي، الناجم عن ضيق حدود دولة إسرائيل، وخارج أراضيها دائماً. من وجهة أخرى، أصبحت الأحزمة الأمنية، بمختلف أنواعها، ضرورة فعلية، بسبب النظرية الاستيطانية، التي تتبعها إسرائيل بإقامة المستوطنات على مقربة من الحدود".

هـ. الذراع الطويلة

مازالت إسرائيل تعمل بأسلوب الذراع الطويلة، معتمدة على قواتها الجوية المتفوقة، من خلال القصف الجوى شبه اليومي، على ما تراه من أهداف في جنوب لبنان. إضافة لاستباحتها الأجواء اللبنانية، وقيامها بطلعات جوية استطلاعية، تخترق فيها حاجز الصوت بين الحين والآخر، كأحد الأساليب لردع الحكومة اللبنانية، والضغط عليها، في محاولة لإجبارها على إيقاف أعمال المقاومة اللبنانية في الجنوب اللبناني، وهو ما رفضته الحكومات اللبنانية المتعاقبة. وعلى الرغم من ذلك، فإن الاستخدام الإستراتيجي للقوات الجوية الإسرائيلية فوق لبنان، يؤكد استمرار عمل إسرائيل بهذا الأسلوب، كإحدى الركائز الرئيسية لنظرية أمنها.

و. الردع

مدت إسرائيل نطاق أمنها ليشمل الدول الإسلامية والإفريقية، فقد ذكر شارون[3] أن "الدائرة الإستراتيجية، والمصالح الإستراتيجية لإسرائيل، يجب أن تتوسع في الثمانينيات، لتشمل تركيا وإيران وباكستان وأقاليم الخليج وإفريقيا، وعلى الأخص دول شمال ووسط إفريقيا"، وبذلك تكون إسرائيل قد مدت مفهوم الردع، ليشمل الدول الإسلامية والإفريقية.

استحدثت إسرائيل كذلك أسلوب "الردع الانتقامي"، مشتقاً من نظرية الردع التي تعتنقها، بالاستخدام المتدرج للقوة، بهدف ردع الجانب الآخر عن القيام بأي أعمال عدائية. مثال ذلك القصف اليومي لجنوب لبنان، رداً على أعمال حزب الله، وعلى الرغم من عدم نجاح هذه الإستراتيجية، في ردع حزب الله ليوقف أعماله، إلاّ أن إسرائيل لم تتوقف عن القصف، فالردع ليس موجهاً ضد حزب الله وحده وإنما موجه لآخرين بالمنطقة كذلك، سيفكرون غير مرة، قبل أن ينفذوا أعمالاً تضر إسرائيل.

ز. الحرب الاختيارية

التأكيد على مفهوم الحرب الاختيارية، كبديل للحرب الدفاعية أو الإجهاضية، وتقصد بها تلك الحرب، التي تخوضها إسرائيل بمحض اختيارها، وبدافع من رغبتها في تحقيق مصالحها الوطنية، كما تراها وتحددها. وهي، كذلك، حرب تعكس التطور في دور إسرائيل في الشرق الأوسط، من دولة تبحث عن الاعتراف والقبول، إلى دولة تؤكد على دورها السياسي والإستراتيجي في المنطقة. فالتطورات الأخيرة تعكس إلى حد كبير، اكتمال نمو نظرية الأمن الوطني الإسرائيلي، وتخففها، من عقدة التعرض للخطر، وعقدة الحجم الأصغر، إلى دولة أكثر عدوانية ورغبة في التوسع.

ح. الحرب بالوكالة

استُحدث مبدأ الحرب بالوكالة في المنطقة، للمرة الأولى، عندما شكلت إسرائيل قوات لبنانية موالية، تتولى نيابة عنها، أعمال تأمين الحزام الحدودي، مع تقديم المعاونة لها.

3. حرب الخليج الثانية عام 1991: (عاصفة الصحراء)

حدث رئيسي آخر، رغم بعده الجغرافي عن إسرائيل، إلا أن التطور التقني المستخدم، في نظم التسلح (خاصة الصواريخ أرض/ أرض)، أدخل إسرائيل في إطاره. أدت تداعيات حرب الخليج الثانية، بسبب قصف إسرائيل بالصواريخ أرض/ أرض من نوع Skud B العراقية برؤوس تقليدية، إلى حدوث ذعر معنوي في إسرائيل، وإحداث هزة في نظرية الأمن الإسرائيلية ومسألة الحدود الآمنة. فالصواريخ أرض/ أرض تتخطى الحدود ولا تعترف بها. أثار القصف الصاروخي جدلاً كبيراً في إسرائيل، بين أنصار الحدود الآمنة، وبين الرافضين لها، خاصة أن الصواريخ تتوفر بكثرة، لعدد من الدول العربية، وهو ما دعا السياسيين في إسرائيل، إلى وضع تصورات جديدة، لتطور نظرية الأمن الإسرائيلي، منها:

أ. رؤية شيمون بيريز

"السبيل الوحيد لضمان مستوى معقول من الأمن القومي في هذا العصر، عصر الصواريخ أرض/ أرض والقدرات النووية، هو إقامة نظام إقليمي للرقابة والرصد، وإذا نفذ ذلك، فسنجد أن مفهوم "العمق الإستراتيجي" لم يعد له معنى. فالصواريخ بعيدة المدى وأسلحة الدمار الشامل قد حولت جبهة الداخل إلى جبهة أمامية…، إن الرقابة الواسعة (أقمار صناعية ـ أعمال مراقبة) هي البديل عن مفهوم "العمق الإستراتيجي"، إن الأمن، أي منع الحرب وإقامة حدود ثنائية آمنة، سيكون القضية المهيمنة في الطور الأول (الانتقالي)"[4].

ب. رؤية نيتنياهو

"إن ما يمكن تحقيقه في الشرق الأوسط، هو السلام المبني على الردع أو القوة. لذا، ففي الشرق الأوسط، يعتبر الأمن (قوة الردع المعتمدة على الحسم)، هو العنصر الحيوي للسلام ولا بديل عنه، هذه الترتيبات الأمنية، بغض النظر عن مدى نجاحها، لن تكون كافية يوم أن يقرر أعداء إسرائيل، خرق المبادئ المتفق عليها، والشروع في حرب ضدها".

ج. فجر قصف العراق إسرائيل بالصواريخ جدلاً، أضاف بعداً آخر لنظرية الأمن، التي كانت تنادي بحدود آمنة، ألغتها الصواريخ بتجاوزها للحدود، وهو ما أستوعبه بيريز وركز عليه، وفهمه نيتنياهو وتمسك بمبدأ الحدود الآمنة كذلك.



[1] شهد الأسبوع الأول أبرز تلك العمليات إذ دمرت القوات الجوية الإسرائيلية يوم 9 يونية 19 كتيبة صواريخ وأسقطت 29 طائرة سورية، وبلغت خسائر القوات الجوية السورية خلال هذا الأسبوع 86 طائرة مقاتلة (ميج 21، سوخوى 22، ميج 23) بينما خسرت إسرائيل 3 طائرات فقط، إذ استخدمت وسائل إعاقة إلكترونية، متقدمة، مكنتها من إفقاد مراكز التوجيه الأرضية السورية، السيطرة على تشكيلاتها، والتي وقعت بسهولة في كمائن جوية. Mig23. Sukhoi 22. Mig 21.

[2] استخدمت إسرائيل في هذا الغزو عدة أنواع جديدة من الأسلحة والمركبات المصنعة محلياً، وعلى رأسها الدبابة حاملة الجنود الإسرائيلية "ميركافا".

[3] شغل إرييل شارون منصب وزير الدفاع خلال هذه المرحلة.

[4] تنفذ إسرائيل منذ ذلك الحين، برامج متطورة لسلسلة أقمار تجسس صناعية، وصواريخ باليستية بعيدة المدى كذلك.