إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات عسكرية / الملحق العسكري، وأنواع الملحقين الآخرين ومهامهم









المبحث الأول

رابعاً: التكوين المثالي للملحقية العسكرية

إذا توفرت كل الإمكانيات، والظروف المتاحة لتكوين المكتب، فإن التنظيم التالي يكون هو الأقرب لصورة الملحقية العسكرية بين دولتين لديهما إرادة في تنظيم التعاون العسكري بينهما.. وهو كالآتي:

1. الوظائف الدبلوماسية

أ. الملحق العسكري: وهو رئيس الملحقية، والشخص المعتمد لدى المؤسسة العسكرية للدولة المعتمد لديها. ويكون عادة برتبة لواء أو عميد، وهو المسؤول الأول عن تنظيم العمل بالملحقية، والتنسيق بينها وبين السفارة والمكاتب الفنية الأخرى، المعتمدة لدى الدولة التي يعمل بها.

ب. مساعدو الملحق العسكري: ويتحدد عددهم طبقاً لحجم المهام المكلفة بها الملحقية، وفى أغلب الأحيان يُعين مساعد أو مساعدان للملحق العسكري. أما إذا كانت ثمة علاقات عسكرية من نوع خاص، بين دولة الملحق، والدولة المعتمد لديها، فيُعين مساعد ملحق لتنفيذ المهام "الفنية" المكلفة بها الملحقية، ويندرج هذا تحت بند مشتريات السلاح، أو التدريب، أو الإشراف على البعثات التدريبية، أو التعاون الإستراتيجي في مجال خاص… إلخ وتتحدد مدة شغل المساعد القائم بتنفيذ مهام فنية لوظيفته، طبقاً لاستمرار المهمة، وتنتهي بانتهائها.

ج. أعضاء الملحقية العسكرية: وهم من العسكريين والمدنيين المكلفين بتنظيم العمل المكتبي. ويتحدد عددهم، طبقاً لاحتياجات المكتب، وطبقاً للاتفاقية الدبلوماسية ـ بين الدولتين ـ والتي تحدد حجم البعثة الدبلوماسية. ويعاون هؤلاء الأعضاء الملحق، ومساعديه، على تنفيذ المهام المكلفة بها الملحقية العسكرية.

2. الوظائف غير الدبلوماسية

أ. الإداريون والفنيون

وهم العاملون في الملحقية، الذين ينفّذون مهام إدارية وفنية، وينظمون العمل الإداري، والفني، والمالي، بالملحقية، وهم من غير الدبلوماسيين، ولا يحملون ـ عادة ـ جواز سفر دبلوماسياً، وينقسمون إلى ثلاثة أقسام:

(1) الإداريون والفنيّون ورجال الأمن من دولة الملحق العسكري، ويمنحون جوازات سفر "مهمة".

(2) الإداريون والفنيون من الدولة المعتمد لديها الملحق العسكري: وقد نصت اتفاقية فيينا على جواز استعانة البعثات الدبلوماسية بعاملين من الدولة المعتمدة لديها البعثات، من خلال عقود عمل محدد المدة والشروط. وفى معظم الأحوال، فإن الملحقيات العسكرية، تستعين بهؤلاء العاملين في وظائف الترجمة، والسكرتارية، والعلاقات العامة.

(3)  الإداريون والفنيون من دولة ثالثة: حيث قد تحتاج الملحقية إلى تعيين شخص محدد لتولى وظيفة إدارية محددة، ذات صبغة فنية يجيدها أكثر من غيره. وفى هذه الحالة لابد أن يُخطر الملحق العسكري دولته، ويتحرى جيداً عن الشخص المراد تعيينه، ثم يخطر الدولة المعتمد لديها، طبقاً للعرف الدبلوماسي.

ب. الخدم الخصوصيون

وهم الفئة التي تؤدي أعمالاً تساعد الأعضاء الدبلوماسيين على تنفيذ مهامهم، وتسهل لهم الأمور. ويندرج تحت هذا البند، السائقون، وعمال النظافة، والمربيات... الخ، وهم إما من رعايا دولة الملحق، أو رعايا الدولة المعتمد لديها الملحق، أو دولة ثالثة.

3. تجهيز المكتب وإعداده

لكي ينتظم العمل بالمكتب، لابد أن تتوفر له جميع الإمكانيات الإدارية والفنية، وأن تكون على أعلى مستوى، من المظهر، والتقنية. وتتعدد تجهيزات المكتب لتشمل الآتي:

أ. دار الملحقية

وهي إما أن تكون داخل السفارة، أو مستقلة عنها، وفى الموقعين يجب أن يتوافر فيها، المظهر الحسن، والاتساع لمكاتب العاملين، والموقع الذي يحقق قدراً كافياً من التأمين، وأن يكون تأسيس الملحقية، متناسباً مع المكانة الأدبية للملحق، لأن ملحقيّ الدول الأخرى سوف يزورونه في تلك الدار، وسينعكس مظهرها على تقويم الملحق نفسه.

ب. سكن الملحق

وينطبق عليه، ما ينطبق على الملحقية، ويفضل أن يكون بالسكن حديقة، لإقامة الاحتفالات في المناسبات القومية والخاصة.

ج. أجهزة الاتصال

يجب أن تتوفر في الملحقية أجهزة اتصال لاسلكي بدولة الملحق، وكذلك أجهزة اتصالات سلكية كافية لتسيير الأمور اليومية، ويمكن تزويد أحد الأجهزة التليفونية، بجهاز شفرة يرتبط مع دولة الملحق، لتبادل المكالمات ذات الطبيعة السرية.

د. أجهزة نظم المعلومات

مناسبة وكافية، لكتابة المعلومات المختلفة وحفظها، طبقاً لحجم نشاط الملحقية.

هـ. نظام أمن داخلي

لتأمين المكتب ضد أي تهديدات.

و. نظام أمن ضد الحريق

لتأمين المكتب ضد أخطار الحريق.

ز. أي تجهيزات أخرى تساعد على سرعة وسهولة تحقيق المهام في الملحقية.

أما نظام العمل في المكتب، فيخضع لأسلوب الملحق، والنظام المعمول به في دولته، والخبرة التي اكتسبها على مسار خدمته الطويلة، وشخصية الملحق نفسه.

خامساً: المواصفات الواجب توافرها في الملحق العسكري

شخصية الملحق العسكري، شخصية لها اعتبار خاص، وهو يمثل "الدبلوماسية العسكرية"، بمعنى أنه يجمع بين الشّخصية الدبلوماسية بكل مميزاتها وشروطها، والشخصية العسكرية بكل ما يحيط بها من قيم وعلم وانضباط. وأياً كان أسلوب اختيار الملحق، فإنّ الصفات، التي يجب أن يتحلى بها، تكون هي دوماً، إحدى الشروط التي يتم على أساسها هذا الاختيار.

وتنقسم الصفات التي يجب أن تكون متأصلة في الملحق العسكري، إلى العديد من الأقسام، وتبدأ بصفات شخصية، ثم عادات مكتسبة، وأسلوب أداء، ثم نواحٍ اجتماعية. وهذا التقسيم يتداخل بعضه في بعض ليكوّن شخصية الملحق العسكري الاعتبارية. لذلك فمن الصعب وضع صفات معينة تحت تصنيف لكل قسم، ولكن من الممكن أن تُعدد الصفات العامة، التي تجعل الملحق العسكري، موفقاً في عمله، محققاً لمهامه بكفاءة. وهذه الصفات هي بمثابة الأسس، التي ينبغي أن يتحلى بها الملحق العسكري، وعليها تتركز الاختبارات عند اختياره، وهي:

1. حسن المظهر

    وهو أحد أساسيات اختيار الملحق العسكري، الذي يعكس شخصيته، وأسلوب التعامل معه. فهو علاوة ـ على أنه يمثل الصورة العسكرية في دولته ـ يختلط بالملحقين من الدول الأخرى، كما أنه عضو رئيسي في سفارة دولته، التي تتكون من دبلوماسيين يحافظون على صورتهم أيضاً. كما أنه دائم الاتصال بالمؤسسات العسكرية، التي يعمل في بلدها، مما يفرض عليه قيوداً في الاهتمام بمظهره. وينقسم المظهر إلى عدة أقسام:

الأول: يتعلق بالبناء الجسماني للشخص القائم بهذا العمل، وهو يتحدد من خلال "كشف هيئة كامل" بحيث يكون مظهره، أقرب إلى الفارس منه إلى الشخص العادي. وتدل التجارب، على أن هيئة الملحق العسكري، كانت دائماً محل اعتبار كامل، لدى الجهات التي يعمل معها.

والثاني: يتعلق بالهندام واختيار الزّي الذي يرتديه، سواء أكان عسكرياً أم مدنياً. فالزي يمكن أن يضيف إلى المظهر علامات إيجابية، أو ينتقص منها. ومن المعروف أن دولاً كثيرة، ومنها دول تُعد نامية، تهتم بالزي الذي يرتديه ممثلوها العسكريون. وكلمّا كان الزي مميزاً، أضاف شيئاً إلى شخصية الملحق الاعتبارية. ومن السهل اكتشاف مدى اهتمام الضابط المرشح بمظهره من ناحية الزي، في أثناء مراقبته اليومية. وكذلك في أثناء تأدية الاختبارات المؤهلة للترشيح.

والثالث: يتعلق بالحياة المعيشية، في مظهر مكتب الملحقية، أو السكن، أو السيارة، أو مظهر العاملين في المكتب، وكلها عناصر تضيف أو تقلل، من مكانة الملحق العسكري. ويمكن الاستدلال على ذلك من أسلوب معيشة الملحق في وطنه، قبل ترشيحه للعمل.

والرابع: يتعلق بالأماكن التي يرتادها الملحق، وينبغي أن تكون على أعلى مستوى، لأن الملحق العسكري دائماً مراقب، وسوف يؤخذ عليه، ارتياده لأي أماكن - دون المستوى. وهذا أمر يمكن الاستدلال عليه من تصرفات الضابط المرشح في وطنه قبل قبوله للعمل ملحقاً عسكرياً.

والخامس: يتعلق بالمظهر الاجتماعي لأسرته بصفة عامة، ويجب أن يكون على مستوى يتناسب مع جلال المنصب، وشخصية الملحق.

والسادس: يتعلق بانضباط العمل في مكتب الملحق، وهو أمر ينعكس بدوره على مصداقية الملحق ومدى ثقة الآخرين فيه، واحترامهم لكيان الملحقية العسكرية بالكامل. وهذا الانضباط، يجب أن يكون متوافراً لدى الملحق، قبل اختياره لهذا المنصب.

2. أن يكون على قدر مناسب من الثقافة

والثقافة هنا تنقسم إلى العديد من الأقسام، وتنعكس آثارها - في مجملها - على مستوى ثقافة الشخص المرشح للعمل ملحقاً عسكرياً. ومستوى ثقافة الملحق، من السهل التعرف عليها قبل الترشيح، وفي أثناء الاختبارات. ويمكن تحديد أفرع الثقافة، التي يجب أن يلم بها الملحق العسكري في الآتي:

أ. الثقافة العسكرية

وتأتي في مقدمة الاهتمامات الثقافية للملحق العسكري، ذلك أن مجال عمله واختلاطه بالملحقين للدول الأخرى، والمؤسسات العسكرية في الدولة المعتمد لديها، يتطلب أن يثبت ذاته دوماً في المعرفة بالعلم العسكري بصورة عامة، ومن دون أن يمس بأمن القوات المسلحة في دولته. وتتضمن الثقافة العسكرية هنا تفهم الإستراتيجيات الحديثة ومبادئ الحرب، وتطبيقاتها في الحروب المختلفة، كما تتضمن أيضاً المدارس العسكرية، والعقائد التي تتبناها الدول المختلفة (خصوصاً الدول الكبرى)، وتتضمن الأحلاف العسكرية، وانعكاس تأثيرها على مناطق العالم المختلفة، كما يجب أن يلم بمجريات الحروب في منطقته وفي العالم، والخبرات المكتسبة منها، والأهمية الإستراتيجية للمناطق، التي يقع فيها إقليم دولته ـ والدول التي يعمل بها ـ ويكون متفهماً لتطور أنظمة التسليح على مستوى العالم ـ والتصور المستقبلي لتطور الصراع الإقليمي والعالمي. وإلى غير ذلك من المعرفة العسكرية.. وأهمية تلك الثقافة العسكرية، أنها تعطيه مجالاً لزيادة معرفته من خلال تبادل الأحاديث، والحصول على معلومات أكثر في مجال عمله، ومن دونها، فإنه سيرى أي معلومة قديمة كنزاً قد حصل عليه، بينما هي لا تفيد من الأساس. إلى جانب ذلك، فإن الثقافة العسكرية للملحق، تضفي عليه انطباعاً مؤثراً لدى قرنائه من الملحقين الأجانب، كما تجعله يلقى احتراما من المؤسسات العسكرية، التي يعمل في دولتها.

ب. الثقافة العامة

وهى أداة مهمة، ومطلوبة لمساعدة الملحق العسكري في تأدية عمله، وتختلف أفرعها: فمنها ما يتعلق بالفكر والأدب، والفن، إلى جانب الثقافة السياسية، والاقتصادية، وغير ذلك من الثقافات. وتأتى أهمية ذلك، في أن الملحق العسكري لا يقتصر عمله على مجال القوات المسلحة فقط، ولكن المجالات تتعدد إلى أركان الدولة بالكامل، وهذا يتطلب منه أن يكون نجماً أثناء لقاءاته مع العسكريين، والمدنيين في وقت واحد، وأثناء حضوره للحفلات التي تقيمها سفارة دولته، أو يُدعى إليها من السفارات الأخرى. وفي الوقت نفسه، فإن ثقافة الملحق العسكري العامة، سوف تجعله ضيفاً دائماً في معظم الحفلات واللقاءات من مؤسسات الدولة التي يعمل بها، أو من السفارات والملحقيات العسكرية الأجنبية الأخرى، وهذا مجال يساعده في تحقيق المهام المكلف بها.

ج. الإلمام بتاريخ دولته وحضارتها

ويُعد هذا الإلمام في مقدمة المعرفة الثقافية للضابط المرشح للعمل ملحقاً عسكرياً، حيث إن هذه الحضارة، ستكون دوماً مصدر تساؤل من الملحقين الأجانب، علاوة على المسؤولين في الدولة، التي يعمل بها.والأسلوب الجيد لتعبير الملحق عن تاريخ دولته وحضارتها، يزيد من قدره، واحترام الآخرين له، علاوة على أنه يجعله معتزاً بنفسه، ووطنه، ومن المفيد هنا أن يصطحب الملحق معه كتيبات تحوي تاريخ وحضارة بلده القديمة والحديثة للاستعانة بها، أو توزيعها في المناسبات المختلفة.

د. الإلمام بموجز لتاريخ المنطقة الإقليمية لدولته

وهو عامل فعّال أيضاً، تنعكس آثاره على شخصية الملحق، وقدرته على التعرف على الجديد في اهتمامات الدول، بتلك المنطقة، والأهمية الإستراتيجية التي تعكس اهتمام الدول المختلفة بها. فعلى الملحق الإلمام بأهم القضايا السياسية والجيوبوليتكية، التي تعانيها منطقته، ومعرفة الآراء المختلفة التي طرحت في سبيل حل تلك القضايا، وتأثير ذلك على وضع المنطقة عالمياً وإقليمياً.

هـ. الإلمام الكامل بتاريخ وجغرافية وديمجرافية الدولة، التي يعمل بها

وهو شرط أساسي لعمل الملحق، ويجب اختباره في ذلك، قبل أن ينطلق إلى ميدان العمل. وذلك أن قدر المعلومات التي يلم بها عن الدولة، سوف يساعده تماماً في مجال عمله، كما يجعله واثقاً من نفسه في المواقف المختلفة.

و. الإلمام بلغة أجنبية أو أكثر

    وهي وسيلة التفاهم الرئيسية، ومن دونها يكون الملحق العسكري حبيساً، عاجزاً عن معرفة الحقائق التي تدور حوله. ويأتي الإلمام بلغة الدولة التي يعمل بها في مقدمة اللغات المطلوبة، ثم عليه أن يختار بعد ذلك، إحدى اللغتين، الإنجليزية أو الفرنسية، للتفاهم مع أقرانه الأجانب من الملحقين العسكريين. فمن دون معرفة اللغة - حتى ولو كان لديه مترجم- يصبح نشاط الملحق في مجال عمله، محدوداً للغاية.

3. أن يكون معتزاً بوطنيته وقوميته

    ويمثل الاعتزاز هنا، ركناً رئيسياً في الانتماء والولاء لدولته، ولو ثبت عكس ذلك، فمن السّهل التأثير على الملحق العسكري، وتجنيده بواسطة أجهزة المخابرات الأجنبية، حتى يكون عميلاً لها. لذلك فإن الملحق العسكري، يجب أن يكون من الضباط الممتازين المعتزين بوطنيتهم، وأنفسهم، وأن يكون له تاريخ في الذود عن حياض الوطن، أو تكون له سوابق في التضحية من أجل هدف معين، وأن يكون قدوة ومثلاً لمرؤوسيه. وفي كل الأحوال، فإن المهام المكلف بها الملحق، تتطلب هذا الشخص المنتمى، المعتز بوطنيته، وقوميته، وكرامته، والذي يبذل الجهد الكامل في سبيل تحقيق المهمة الموكولة إليه.

4. أن تكون له القدرة على الاندماج في المجتمع الذي يعيش فيه

وهذا المجتمع يكون عادة رباعي الهوية، ما بين مجتمع دبلوماسي، يتطلب معاملة دبلوماسية خاصة، وما بين مجتمع عسكري دولي، يتمثل في الملحقين العسكريين للدول المختلفة، ومجتمع عسكري وطني، يتمثل في المؤسسات العسكرية للدولة التي يعمل بها، وأخيراً المجتمع العام الذي يعيش فيه، ويتلاقى معه في المناسبات المختلفة، وفى إدارة الأمور الاجتماعية اليومية.

والقدرة الرئيسية للملحق تنبع من إمكانيته الاندماج في كل تلك المجتمعات، بشروطها وأوصافها المختلفة، وأن يكوّن علاقات معها، ويتبادل الثقة بينها وبينه، لأنها جميعاً تمثل محاور لمجالات العمل المختلفة. وهذا الاندماج يتطلب أن تكون شخصية الملحق اجتماعية منفتحة وليست انطوائية - وأن يكون واثقاً في نفسه، غير مصاب بأي "لازمة" عضوية أو نفسيه، تؤثر على شخصيته، وتجعله عرضة للتهكم، أو السؤال عما أصابه. وفى بعض حالات الملحقين العسكريين، الذين سبق إصابتهم في حرب - فإن السؤال عن الإصابة، وما سببته له، يجب أن يكون مثار فخر له، وعليه - دائماً - أن يوضحها بأسلوب متوازن لا يجعله مغروراً، أو فيه شبهة لطلب الشفقة أو المعاونة.

ومن شروط الاندماج في المجتمع، أن يكون الملحق العسكري، متواضعاً في تعامله مع الآخرين، خصوصاً مع الأفراد الذين يقلون عنه رتبة، أو مستوى، وأن يبدو ـ دائماً ـ وكأنه شخص بسيط، يسهل التعامل معه دون تعقيدات، ويمكن مقابلته، ومناقشته في أي وقت تسمح به الظروف. وأن يكثر من الصداقات، واللقاءات المفتوحة في مكتبه، وفى بيته، مع الامتناع - بقدر الإمكان - عن زيارة مناطق مشبوهة، أو مراقبة، أو لعناصر تلقى معارضة من السلطات السّياسية والعسكرية في الدولة، حتى لا يتأثر وضعه الاجتماعي من جراء ذلك، وحتى لا تضع الدولة التي يعمل فيها مراقبة عليه شخصياً، وعند ذلك، سوف يبتعد عنه الجميع.

وعند الضرورة القصوى لمقابلة أشخاص معارضين، أو من هم في حكم هذا النوع، يجب أن تتم بأسلوب خفي وبعيد عن الأنظار تماماً، أو يكلف أحد أعضاء المكتب، إتمام تلك المقابلة، من دون أن يظهر هو في الصورة.

والاندماج في المجتمع، تنتج عنه آثار مادية، يتحملها الملحق، سواء من موارده الخاصة، أو من خلال مساندة دولته في تحملها بالكامل أو تحمل بعضها. لذلك، على الملحق أن يكون دائماً سخياً، يجد زائروه عنده، ما لا يمكن أن يحصلوا عليه من أي مكان آخر. أما إذا اتسم الملحق بالبخل، أو عدم القدرة على الإنفاق، فإن مجاله الاجتماعي سيخسر كثيراً، ولن يجد زائرين له، وتدريجياً، سوف يلفظ من قائمة المدعوين في المحافل الأخرى، التي يقيمها أقرانه من الملحقين، أو صفوة المجتمع في الدولة التي يعمل بها.

5. أنّ يجيد فن المناقشة

وهى إحدى السّمات الرئيسية التي يجب أن يتحلى بها الملحق العسكري وهى تُعد محصلة لثقافته، وقدرته على الاندماج في مجتمعه، وتفهمه لأسلوب العمل. وتعتمد إجادة المناقشة، على عدة عوامل: منها أسلوب اختيار الموضوع، والعمل على إشراك أكبر قدر ممكن من الحاضرين في المناقشة، وأن يكون الموضوع ذاته له قابلية للنقاش، وظهور على الساحة. كما تعتمد على أن يكون الملحق العسكري مستمعاً أكثر منه متكلماً، ولديه القدرة على مواصلة الموضوع فيما لو توقف، ولديه الأسلوب الرشيق في طرح أسئلة تثير اهتمام الحاضرين، بحيث يتباروا في طرح ما لديهم من معلومات، قد تفيد مجال العمل.

وفن المناقشة، لا يأتي عشوائياً، ولكن لابد له من تخطيط مسبق. فعندما يقيم الملحق العسكري حفلاً، يدعو إليه العديد من الشخصيات العسكرية أو السياسية أو الاجتماعية، فلابد أن يخطط ويُعدّ مسبقاً الموضوعات، التي سوف يثيرها في أثناء الحفل، ويضع سيناريو لمسار المناقشة ويحدد الشخصية "الهدف" التي سوف يركز على أن تكون المتحدث الرئيسي.

وفى الوقت نفسه، فعندما يحضر الملحق العسكري إحدى المناسبات، فعليه أن يُعدّ موضوعاً محدداً، يبدأ هو في إثارته، على أن يكون مستعداً للاشتراك في المناقشات، التي سوف يثيرها الآخرون، وعلى كلٍ، فإن شخصية الملحق العسكري، ومدى تأثيره في الآخرين، تتحدد من أسلوب إجادته للمناقشة، وطرحه للأسئلة العميقة، والتصرف الذكي حيال المناقشات الحادة المثيرة، حتى لا يضطر إلى الإدلاء بمعلومات قد تضر بالأمن القومي في بلده، كذلك لا يلجئ أحد أن يرفض سؤالاً طرحه هو على الساحة.

ويحتاج فن المناقشة إلى العديد من الصفات الأخرى، التي ينبغي أن يتحلى بها الملحق العسكري، وهي على سبيل المثال لا الحصر:

أ. أن يكون لماحاً يمكنه اكتشاف/ أو استنتاج أي أشياء غريبة أو غير مألوفة/، أو مناقشات تتجه إلى هدف محدد، أو توزيع أدوار من أجل الوصول إلى غرض خاص، والإنسان اللماح، يجب أن يتصف بقدر مناسب من الذكاء، علاوة على التركيز في الحدث نفسه.

ب. أن يتمتع بذاكرة قوية: تمكنه من تخزين القدر الكبير من المعلومات، التي تثار في أثناء المناقشات سواء كانت على مستوى الحفلات المختلفة أو المقابلات الرسمية، حيث لن يكون هناك أي فرصة تسمح للملحق العسكري أن يدون الملاحظات التي يراها أو يسمعها، بل عليه أن يحفظها جيداً، ثم يسجلها، حال عودته إلى مكتبه، وليخرج منها بالاستنتاجات التي قد تضيف جديداً إلى مجالات عمله.

ج. أن يكون جريئاً في المواقف التي تحتاج إلى جرأة، ودبلوماسياً في المواقف التي تحتاج إلى مرونة، أو تحقيق أهداف معينة، والجرأة هنا تعني اقتناص الفرص المتاحة لإثبات الذات بطريقة موضوعية، علمية، تعتمد على الحجة، وليس من خلال الخروج عن المألوف والأعراف الدبلوماسية.

6. أن يكون لديه حس سياسي

وهذا "الحس السياسي"، أمر ضروري، لأن الملحق يعمل دبلوماسياً ضمن نطاق سفارة دولته، وعليه أن يتابع القضايا، والهموم، والمشاكل، وكذلك السمات البارزة للأحداث السياسية والقومية، لدولته أو منطقته، أو الدولة التي يعمل بها.

والحس السياسي هنا، يعنى التوقعات المستقبلية، والمبادأة في تفهم وإعلان الحدث، أو إجراء الوقاية من تأثيره. كذلك يعني تصرفات الملحق العسكري، وأسلوب إدارة عمله فيما يتعلق بالأوضاع غير العسكرية، والتي تتصل بالدولة المضيفة، كذلك حيال أعضاء سفارة دولته، وأعضاء البعثات الدبلوماسية الأخرى. ويمتد الحس السياسي، في مشاركته لرعاية الجالية، التي تنتمي إلى دولته، والتي تستقر على أرض الدولة المضيفة، وتصرفاته حيال أبناء الدولة التي يعمل بها، ولديهم مطالب أو مشاكل لدى دولته، وخصوصاً الأفراد العسكريين.

ومن خلال الحس السياسي، تتحدد شخصية الملحق العسكري، وتأثيره في مجال عمله، وارتباط كل الأفراد بالمكتب العسكري.

7. أن يتمتع بحاسة أمنية عالية

والأمن في مجال عمل الملحق العسكري، ذو أهمية كبيرة، ذلك أن الملحق ـ عادة ـ والمكتب العسكري، يكون مستهدفاً من عدة جهات:

أ. يوضع الملحق العسكري تحت مراقبة الدولة التي يعمل بها، وتتابع أجهزة المخابرات نشاطاته، هو وأعضاء المكتب، خوفاً من قيامهم بأي إجراءات تؤثر مباشرة على الأمن الوطني للدولة.

ب. وتكون الحقيبة الدبلوماسية للملحق ـ عادة ـ تحت أعين أجهزة المخابرات في الدولة، ولو تمكنوا من فتحها، لفعلوا ذلك، للتعرف على أي معلومات قد يرسلها الملحق إلى دولته، وتمس أمن الدولة المضيفة.

ج. يكون مكتب الملحق العسكري، وكذلك سكنه، وسكن أعضاء البعثة العسكرية، عادة، مستهدفاً للتفتيش الدوري، والذي تتولاه الدولة المضيفة سراً، بواسطة أجهزة مخابراتها؛ للتعرف على نشاطات الملحق وأعضاء مكتبه.

د. تضع أجهزة المخابرات الأجنبية المعادية ـ عادة ـ الملحقين العسكريين للدولة "الضد"، في قائمة إجراءاتها السرية، بهدف الاغتيال، أو الخطف، بغرض الانتقام، أو التأثير على هيبة الدولة، ونظامها.

وتتطلب الحاسة الأمنية أن يضع الملحق العسكري خطة متكاملة لتأمين مكتبه، ونفسه وأعضاء الملحقية العسكرية. وأن يكون لديه التّوقع قبل الحدث، حتى يتخذ الإجراءات المضادة مسبقاً. وعليه أن يكون دائماً يقظاً، متابعاً لما يجري حوله، ولا يترك الأحداث للظروف، أو يركن إلى تدابير يتخذها طرف آخر لمصلحته، ولكن عليه أن يتولى التخطيط، وتنفيذ خطط الأمن بنفسه.

والحاسة الأمنية، هي صفة طبيعية يحملها الإنسان اليقظ، وعلاوة على ذلك، فإن الدورة التدريبية، التي يتلقاها الملحق العسكري، قبل سفره إلى مقر عمله، تحمل الكثير من المبادئ، التي تعمل على إيقاظ تلك الحاسة للتطبيق في ميدان العمل.

8. الإلمام الكامل بعلوم الإدارة الحديثة

وهى ضرورة كبيرة، لأن الملحقية العسكرية تُعد "وزارة دفاع" مصغرة، يكون الملحق العسكري فيها ممثلاً لوزير الدفاع، وباقي أعضاء السفارة يمثلون الهيئات والإدارات، التي تحقق العمل المتكامل.

والإدارة الجيدة، بأسلوب علمي، هي التي تحقق للملحق العسكري، استكمال مهامه. وعلى سبيل المثال، فإن مهام الملحق لابد أن تترجم إلى خطط، وكل خطة، لها إجراءات، وتوقيتات وأهداف، ووسائل، وعليه أن يقسّمها إلى مراحل، وكل مرحلة تنتهي، يجري تسجيل نتائجها، ليبدأ في المرحلة التالية، وهكذا. ويعنى ذلك أهمية استخدام الملحق لأجهزة الكمبيوتر، وتسجيل أرشيف إلكتروني، أو عادى، يجمع كل الوثائق، ويؤمّن تحت إجراءات سرية مناسبة. كذلك، فإن إدارة الأفراد بالملحقية، تتطلب تنظيماً إدارياً كاملاً، خصوصاً، إذ اشتملت الملحقية، على مكاتب فنية متخصصة في التسليح والتدريب … الخ، وهذا يتطلب وضع خطط إضافية لتنفيذ المهام، وخطط دورية للاتصال مع الإدارات العسكرية للدولة المضيفة.

ويتوقف على إدارة الملحق العسكري لمكتبه، نجاح مهمته، وسمعة المكتب، التي تنعكس على سمعته العسكرية في بلده. وكل عمل خارج عن القانون يرتكبه أحد أفراد المكتب، يُسيء إلى الوضع السياسي لسفارة الدولة بالكامل. لذلك يجب أن يكون الملحق العسكري في غاية الحزم، تجاه أفراد الملحقية، وأن ويفرض عليهم نوعاً من الانضباط، يتناسب مع سمعة الدولة.

9. أن تمثل أسرة الملحق العسكري قيمة مضافة لقدراته على تحمل المسؤولية

ربما تكون الحالة الاجتماعية للملحق العسكري، هي أحد الأسباب للارتقاء بسمعته، أو تدميرها. ذلك أن المظهر الاجتماعي لأسرة الملحق، يؤثر عليه تماماً، سواء لدى أقرانه من الملحقين الأجانب، أو لدى الدولة المضيفة، أو أعضاء سفارة دولته.

وزوجة الملحق العسكري، يقع عليها عبء كبير في تحسين صورة زوجها، فهي تشاركه دائماً في إجراءات البروتوكول، والحياة اليومية في ميدان العمل. فالزوجة، وفي حالة وجود الزوجة المثقفة الاجتماعية، الواثقة من نفسها، ذات المظهر المناسب، تضيف عنصراً إيجابياً لعمل الملحق. فمسؤولية الزوجة في العمل الدبلوماسي، الإشراف على الاحتفالات التي يقيمها الملحق العسكري، وتصاحبه في الاحتفالات التي يقيمها الآخرون، كذلك فإن الزوجة قد تشترك مع زوجها لتحقيق هدف معين، يتفقان عليه من خلال توزيع الأدوار.

أما أبناء الملحق، ومظهرهم، فينعكس عليه أيضاً بالإيجاب أو السلب. وعموماً فإن اختيار الزوجة سوف ينعكس أيضاً على أطفالها، وظهورهم في المجتمع بالمظهر المناسب، وفى العديد من الدول، فإن الزوجة تخضع لاختبارات، وقياسات، بالتوازي مع الاختبارات التي تتم لزوجها، وذلك لضمان نجاح الملحق العسكري في تأدية مهامه بصورة مناسبة، تنعكس على الصورة العسكرية في دولته.