إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات وأحداث تاريخية / الملك سعود بن عبدالعزيز آل سعود




الملك سعود بن عبدالعزيز
الملك سعود يفتتح أحد المشاريع
الملك سعود يقدم وساماً





ملحق

ملحق

افتتاح الملك سعود للدورة الأولى لمجلس الوزراء

في 2 رجب 1374هـ/12 مارس 1954م، افتتح الملك سعود الدورة الأولى لمجلس الوزراء في الرياض، بخطاب عرش، أشبه بخطب العرش، التي يفتتح بها البرلمان في دول أوربا، وقد اعتبر هذا عهداً منه، أمام وزرائه وأمته. ونص الخطاب هو:

بسم الله الرحمن الرحيم

"نحمد إليكم الله الذي بفضله تتم الصالحات، وبعونه وقدرته تنجح المساعي، وتتحقق الآمال، ونصلي ونسلم على نبينا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين، الذي جاء من عند الله بما كفل لنا خيري الدنيا والآخرة.

أمّا بعد: فكل منا قدّر، ويقدر مقدار الفاجعة العظمى التي فجعنا بها، بوفاة مجدد مجدنا؛ وباني أساس دولتنا، الوالد العزيز عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل، قدس الله روحه، وتغمده برحمته، وجعل مثواه جنات النعيم. فلقد أعاد لنا، بفضل الله، مجد آبائنا وأجدادنا، وأسس دولتنا، فكان لها مركزها بين العالمين، كما كان له ـ رحمه الله ـ من المنزلة في العالم ما تعلمون. وإن ما تركه لها من التراث، ومن السمعة العظيمة في محافل العالم، نعتبره ركناً من أركان مفاخرنا، تتحدث به الأيام والعصور. ولقد كان عزاؤنا الوحيد، بعد هذه الفاجعة، ما منّ الله به علينا، إذ وهبنا فضيلة الصبر والتجلد في ساعة الفاجعة، فلم يذهلنا هول المصاب عن الواجب، للسير في الخطى التي رسمها لنا رحمه الله. وقد واسى جراح قلبنا، ما رأيناه من التفافكم حولنا، وشدكم أزرنا، ومبايعتكم لنا بقلوبكم قبل أيديكم، وما أحاطنا به الشعب من تأييد، ومبايعة على السمع والطاعة، وعلى سنة الله ورسوله، وهذا يذكرنا بما فعله أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخلفاء الراشدين؛ فكان ذلك العزاء الوحيد لنا ولكم ولشعبنا، وكان حافز جديداً حدانا إلى مواصلة الليل والنهار، للعمل على ما فيه النهوض ببلادنا، وإسعاد شعبنا. لقد كان همنا منذ تولينا مقاليد الأمور، أن نعتصم بكتاب الله، ونستهدي بهدي رسول الله، وسنة خلفه من السلف الصالحين، ثم نتبع سيرة والدنا العظيم، في السياسة والإدارة، وفي كل مجال من مجالات الإصلاح سلك سبيله، وفتح لنا طريقه، لنتعهد ما شيد، ونتم ما بدأ فيه من أعمال، ونقوم بكل ما نستطيعه، لما فيه مصلحة بلادنا وشعبنا.

لقد جعل الإسلام الأمر شورى بين المسلمين، فأول ما عقدنا العزم عليه، هو أن نجعل منكم إخواننا وأبناءنا ووزراءنا، موضع ثقتنا ومشورتنا، لنتعاون معكم على النهوض بأعباء الحكم في هذه البلاد، فأنشأنا هذا المجلس ـ مجلس الوزراء ـ ليكون مصدراً لجميع أعمالنا، التي نقوم بها في خدمة هذه الدولة. وسيكون أي عمل في الدولة مصدره ومرجعه منكم وإليكم، على أساس ما يقوم به كل منكم من أعباء، وكّلنا الأمر فيها إليه، طبقاً للأنظمة المقررة له. وإننا لننتهز هذه الفرصة الأولى لافتتاح هذا المجلس الموقر، لنرسم لكم، ونبين المنهاج الذي سنسير عليه في حياتنا المقبلة، بحول الله وقوته:

1.     إن أول ما يهمنا جميعاً، هو الاعتصام بحبل الله المتين، وأن نتخذ من الوسائل في داخل بلادنا، ما يمكن روح التوحيد الخالص في قلوب أفراد الشعب كافة، حتى يخلص الجميع بالحكمة والموعظة الحسنة في كل مجال، وعلى الأخص المدارس، وسنحرص بحول الله على مراقبة ذلك، وحث الناس على كل ما يأمر به الشرع الإسلامي، ومنعهم عن كل ما ينهى عنه، لأن في ذلك خيري الدنيا والآخرة، ولأنه ليس شيء من الخير إلا دعا له الإسلام، وليس شيء من الشر إلا نهى الإسلام عنه.

2.     أمّا سياستنا الخارجية، فإننا نترسم فيها خطى والدنا العظيم، وأول ما يهمنا فيها هو العمل على جمع كلمة العرب، وتأييد مصالحهم في جامعتهم ضمن ميثاقها، وضمن معاهدة الدفاع المشترك. وقد أبلغنا الوفد الذي مثلنا في جامعة الدول العربية، في اجتماع لها، بعد استلامنا مقاليد الحكم، أن يعلن عزمنا الأكيد على مناصرة العرب، والتعاون معهم في أي ميدان، وفي أي مجال ممكن، لمنع العدوان عنا جميعا، والتعاون على تحقيق ما فيه الخير والمصلحة لنا جميعاً. ونحن سنسير بعون الله في دعوة البلاد العربية كافة لجمع كلمتها، وتوحيد قواها بعمل شمل العرب، ويحفظ استقلالهم، ويرد غائلة العدوان عنهم، من أي جهة كانت.

وقد تسابقت وفود أكثر الدول العربية الشقيقة إلينا، لتعزيتنا وتهنئتنا، ومشاركتنا في الضراء والسراء، فلاقينا من مواساتهم، ما أشعرنا أن المصاب كان مصابنا جميعاً، وقد انتهزنا هذه الفرصة فتبادلنا الآراء معهم، لما فيه مصلحة العرب.

وكان آخر ذلك ما سعدنا به من زيارة حضرة صاحب الجلالة أخينا الملك حسين، الذي اجتمعنا به في (بَدَنة)[1] حيث واسانا في مصابنا، وهنأنا بتولينا عرش مملكتنا، وتبادلنا شعور المودة والإخاء بيننا.

وكذلك فإننا نشعر في قرارة أنفسنا السرور العظيم، للعلاقات الودية القائمة بيننا وبين الدول الإسلامية الصديقة، وأخص بالذكر منها دولة الباكستان، التي قام رئيسها العظيم، السيد غلام محمد بزيارتنا، لمواساتنا في مصابنا، وتهنئتنا بارتقائنا عرش هذه المملكة، ولتأييد صلاتنا الودية، وتعاوننا مع حكومة باكستان الصديقة العزيزة.

وإنه ليسرنا أن نقوم بكل عمل فيه جمع لكلمة الإسلام والمسلمين، في مشارق الأرض ومغاربها.

كلنا يعلم ذلك السرطان الذي أنشئ في جسم البلاد العربية، فقام بأفظع ما عرفه التاريخ من الإجرام حيث قتل وشرد ما يقرب من مليون مسلم عربي من فلسطين. ذلك السرطان هم الصهيونيون من اليهود، الذين عرف التاريخ إجرامهم منذ القدم حتى اليوم، وهم لم يكتفوا بما قاموا به من إجرام، بل إنهم يعدون العدة لعدوان جديد على البلاد العربية، تمثلها اعتداءاتهم المتكررة على حدود البلاد العربية المجاورة لهم. وهم في وضعهم الحاضر لا يهددون البلاد العربية المجاورة لهم فحسب، بل يهددون العرب في بلاد العالم كله. ونستطيع أن نقول أكثر من ذلك، إنهم يهددون الإسلام والمسلمين في أقطار الأرض كافة. ونحن عاملون مع الدول العربية، ومع من يتفق معنا من الدول الإسلامية، للدفاع عن أنفسنا ضد هذا العدوان، والله ناصرنا بحوله وقوته.

إن سياستنا العامة، خارج نطاق الدول العربية، هي السعي الدائم لتحسين علاقتنا السياسية مع الجميع. وإنا بعون الله عاملون على تقوية هذه الصلات الودية مع كل الدول التي تظهر الصداقة، وترغب فيها معنا.

وإننا آسفون أن تكون هنا مشكلة بيننا وبين الحكومة البريطانية الصديقة، لم نتمكن من الوصول إلى تسوية فيها حتى الآن. ونحن عاملون ما فيه الجهد، للمحافظة على كياننا وسياستنا وحقوقنا الموروثة، بالتفاوض مع الحكومة البريطانية، لإنهاء المشكل بالطرق السلمية، ولنا وطيد الأمل بالوصول إلى حل بصورة ودية إن شاء الله.

3.     لقد كان همنا تقوية جيشنا، لأنه عماد الدولة، وعليه بعد الله يتوقف حفظ كياننا، واستقلالنا في الداخل والخارج، ولذلك فإن الجيش سيخصص له قسم عظيم من الميزانية، ونحن نعمل في كل ميدان، لإكثار عدد الجنود، وتدريبهم تدريباً فنياً والاستزادة من الأسلحة اللازمة لهم.

4.     لقد وجهنا عناية خاصة لما فيه خير شعبنا، بمحاربة الجوع والفقر والمرض، ولقد عانت بعض مناطق بلادنا متاعب اقتصادية، بسبب انحباس الأمطار، فعملنا على نقل قسم كبير من البادية على حواضر المدن، وعملنا على تأمين حاجاتهم من العيش. ونحمد الله الذي حل هذه الأزمة بفضله، بما من عليها من الغيث الذي سيكون مساعداً لإزالة هذه الأزمة.

كما أننا اتخذنا من الترتيبات، ما يساعد على مساعدة الفقراء في تأمين معيشتهم، ونأمل أن المشاريع العمرانية التي سنقوم بها في البلاد، ستوجد أعمالا كثيرة، تدر الخير على البلاد، وتوجد أعمالا واسعة النطاق لسائر أفراد الشعب.

5.     ولقد وجهنا عنايتنا أيضاً لرفع المستوى الصحي في البلاد، فقامت وزارة الصحة بإنشاء المستشفيات العامة والمستوصفات، وستقوم بكل ما في استطاعتها لمعالجة المرضى، ورفع المستوى الصحي، وبناء مستشفيات ومستوصفات في سائر أنحاء المملكة.

6.     ولقد أنشأنا وزارة للمعارف، للنهوض بالعمل على تعليم الشعب أمر دينه أولاً، ثم ما ينفعه في دنياه ثانياً، وسنخصص لها في الميزانية قسطاً كبيراً، لتقوم بنشر العلم في كافة أنحاء البلاد.

7.     وكذلك إنشاء وزارة للزراعة، تعمل للنهوض الزراعي في أنحاء المملكة كافة. ولدينا ولله الحمد مناطق زراعية غنية، لا تحتاج إلا إلى المعاونة والتنظيم، حتى تؤتى أكلها وتمرها، حيث تغذي بلادنا، ويمكنها أن تعاون في تغذية بلاد أخرى بعد ذلك إن شاء الله.

8.     ولقد أنشئت وزارة للمواصلات، وهي دائبة على العمل في النهوض بما عهد إليها به. وسيكون من مهامها تأمين المواصلات في أنحاء مملكتنا الفسيحة الأرجاء.

ولقد تمت دارسة مد خط حديدي من الرياض، ماراً بالوشم فالقصيم فالمدينة المنورة فجدة، ثم ينتهي في مكة المكرمة.

وقد وضعت التصاميم اللازمة لهذا المشروع، وسيباشر العمل فيه لأهميته الحيوية، في أول فرصة ممكنة. ولقد كان أهم ما فكرنا فيه تأمين المواصلات بيننا وبين البلاد العربية، فاتصلنا بحكومتي الأردن وسورية الشقيقتين، لإعادة سكة حديد الحجاز، فاستجابت الحكومتان لدعوتنا، وعقد في الرياض مؤتمر، تم الاتفاق فيه على الأسس التي يعود الخط بموجبها سيرته الأولى، وبعثنا بهيئة فنية لدراسة الخط، ووضع تقرير عن تكاليف إصلاحه، للتعاون مع الدولتين الشقيقتين على إعادته. وسنضع برنامجاً تدريجياً لافتتاح الطرق في مختلف أنحاء البلاد.

9.     إن العمود الفقري للدولة لانتظام مصالحها، والذي تقوم عليه الحياة العامة والخاصة، هو المال، وبغير تأمين موارد كافية للدولة، وبغير تنظيم صرف هذه الأموال، لا يمكن أن يستقيم لنا أمر، أو ننجح في أي عمل عمراني أو تجاري أو اقتصادي. وكلنا يعلم كيف تأسست وزارة المالية في هذه الدولة، وما هي الأعباء التي أرهقت كواهلها. وقد مر علينا وقت كانت كل أعباء المشاريع العمرانية والاقتصادية والزراعية والصناعية وغيرها، بل وحتى العسكرية أيضاً، على عاتق وزارة المالية بالمعنى الصحيح، بحيث تتولى جمع كل واردات الدولة، كما تتولى صرفها ضمن الميزانية المعتمدة. وما كان يجوز في السابق لضيق الموارد أو قلة المشاريع العمرانية التي كنا نضطلع بها، لا يجوز اليوم بعد اتساع الموارد، وتعدد المشاريع العمرانية، التي ينبغي النهوض بها. لذلك أمرنا بإعداد ميزانية للدولة، تعرض على مجلسكم، لمناقشتها وإقرارها، وأمرنا بجعلها ثلاثة أقسام: قسماً لموازنة دوائر الدولة ومصالحها، وقسماً ثانياً يخصص للمشاريع الإصلاحية العمرانية التي ستعرض على مجلسكم لإقرارها، وقسماً آخر للاحتياط والطوارئ.

10.   بالنظر لرغبتنا في تعاون شعبنا معنا في كل ما يتعلق بماله مصلحة فيه، أمرنا أن يكون في كل بلد من بلداننا، مجلس إداري، يجتمع برياسة أمير البلدة وقاضيها مع رؤساء الدوائر، ووجهاء البلد، لبحث الأمور التي تتعلق بمصلحة البلد نفسها ضمن نظام مخصص لذلك.

كما أمرنا بتعميم تأسيس مجالس بلدية، تنظر في الشؤون البلدية، للنهوض بكل بلدة، بما يصلح شأنها، ويقوم عمرانها.

وبالإضافة إلى ذلك، قد قررنا وضع برنامج مستقل، موزع على سنوات خمس، للمشروعات الكبرى، للإنشاء والإصلاح والتعمير، وسيعرض عليكم عند إعداده، للمناقشة والموافقة عليه إن شاء الله.

ولتأمين سير العمل بدقة أمرنا أن يؤسس بين دوائر هذا المجلس، ديوان للمحاسبة العامة، سنكون نحن المرجع الأعلى له، وسيتولى أمر هذا الديوان مراقب عام، بصلاحيات نص عليها في نظام هذا المجلس، يراقب جميع واردات الدولة ومصاريفها.

كما أمرنا بتشكيل ديوان تابع للمجلس، سميناه "ديوان المظالم"، وسنحيل إليه كل شكوى ترفع إلينا، وكل مظلمة نراها ونخبر عنها، ليقوم بالتفتيش والتحقق في كل دائرة من دوائر الحكومة، لإعطاء كل ذي حق حقه، وليطمئن شعبنا بأفراده وقبائله، أن بابنا مفتوح لسماع شكواه وإنصاف مظلومه.

وقد أمرنا بإنشاء شعبة في هذا المجلس للخبراء، لمعاونة المجلس في النواحي الفنية لنشاط الدولة.

والذي نبتهل به إلى الله سبحانه، وندعوه مخلصين، هو أن يمدنا بعونه وفضله وتوفيقه للوصول إلى أهدافنا، فيما يصلح أمرنا في دنيانا وآخرتنا، إنه تعالى سميع مجيب، وهو نعم المولى ونعم النصير.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 



[1] هي اليوم مدينة عرعر، في شمال المملكة.