إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات دينية / الملائكة









شُبُهات

المبحث الأول

وصف الملائكة

أولاً: الملائكة

هم خلق من أشرف خلق الله، لا يأكلون ولا يشربون ولا ينامون ولا يتزاوجون، ولا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون. وَكَّلهم الله بوظائف معينة، فمنهم الحفظة على العباد، والكاتبون لأعمالهم، ومنهم الموكلون بالجنة ونعيمها، والموكلون بالنار وعذابها، ومنهم الساجدون إلى يوم القيامة، ومنهم الراكعون. وكلهم يسبحون الليل والنهار لا يفترون.

والإيمان بالملائكة هو الركن الثاني من أركان الإيمان الستة: الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره. قال الله عز وجل: )آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ( (سورة البقرة: الآية 285). وفي الحديث )جَاءَ رَجُلٌ فَجَلَسَ عِنْدَ رُكْبَتي المصطفى r فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا الإِيمَانُ؟ قَالَ: أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ، وَمَلاَئِكَتِهِ، وَكِتَابِهِ، وَلِقَائِهِ، وَرُسُلِهِ، وَتُؤْمِنَ بِالْبَعْثِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ كُلِّهِ. قَالَ: صَدَقْتَ( (رواه مسلم، الحديث الرقم 11).

ثانياًَ: لماذا سُموا بالملائكة؟

سموا بالملائكة؛ لأنهم رسل الله، والملَك ـ بفتح اللام ـ أصله من مادة ( ألَك َ) يَأْلُكُ، مَأْلكة، والمألكة: الرسالة. وألك بين القوم ألكاً: كان رسولا بينهم. وفي هذا المعنى قول الشاعر:

أَبلِغْ يزيد بني شيبان مَألُكَةً                                          أبا ثُبَيتٍ أما تَنْفَكُّ تأتكلُ؟

ويعني: أبلغ يزيد بني شيبان رسالة، والمَلَك مشتق من ذلك وأصله (مَأْلَك) ثم قلبت الهمزة إلى موضع اللام فقيل (مَلاَك) ثم خففت الهمزة بأن ألقيت حركتها على الساكن الذي قبلها فقيل (مَلَك) والجمع (ملائكة) أدخلت فيها الهاء كدخولها على كلمة الصيادلة أو البياطرة أو الأساتذة.

ثالثاً: أصل الملائكة ومادة خلقهم

خُلق الملائكة من النور، لقول رسول الله r: )خُلِقَتْ الْمَلاَئِكَةُ مِنْ نُورٍ، وَخُلِقَ الْجَانُّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ، وَخُلِقَ آدَمُ مِمَّا وُصِفَ لَكُمُ( (رواه مسلم، كتاب الزهد: الحديث الرقم 5314).

فالملائكة مخلوقات نورانية، ليس لها جسم مادي، يُدرك بالحواس الإنسانية، إلاّ لمن شاء الله. ومن ثَمّ، فهم مطهّرون من الشهوات الحيوانية، ومنزّهون عن الآثام والخطايا.

رابعاً: أسماء بعض الملائكة

1. جبريل، وهو الروح الأمين.

2. ميكائيل، وهو الموكل بالمطر.

3. إسرافيل، وهو الذي يَنفخ في الصور إيذاناً ببداية يوم البعث.

4. مالك، خازن النار.

5. رضوان، خازن الجنة.

6. منكر ونكير، هما اللذان يسألان العبد في قبره.

7. هاروت وماروت، هما الملكان اللذان أخبر الله عنهما في قوله تعالى:

)وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ( (سورة البقرة: الآية 102).

8. ملك الموت، ويقال إن اسمه عزرائيل ولا وجود لهذا الاسم في القرآن، ولا في الأحاديث الصحيحة. وقد ذكره الله في القرآن باسم ملك الموت، قال تعالى: )قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ( (سورة السجدة: الآية 11).

خامساً: متى خلقوا؟

خلقهم سابق على خلق آدم  والدليل، قوله تعالى: )وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً( (سورة البقرة: الآية 30). فهذا يؤكد أنهم موجودون قبل خلق آدم.

سادساً: هل يستطاع رؤية الملائكة؟

يظهر أنه لا يستطيع أحد رؤيتهم؛ لعدم ظهورهم للناس بصورهم الحقيقية، ولم ير أحد الملائكة، في صورتهم الحقيقية، من هذه الأمة، إلاّ الرسول r؛ فإنه رأى جبريل u في صورته التي خلقه الله عليها مرتين.

ذكر عبدالله بن مسعود أن رسول الله r لم ير جبريل في صورته إلاّ مرتين؛ أمّا واحدة فإنه سأله أن يراه في صورته، فسدّ الأفق. وأمّا الثانية فإنه كان معه حيث صعد في الإسراء والمعراج، عند سدرة المنتهى. وفي المرة الأولى تبدى له جبريل بالأبطح، في صورته، التي خلقه الله عليها، له ستمائة جناح، قد سد عظم خلقه الأفق؛ فعرف عند ذلك عظمة الملك، الذي جاءه بالرسالة، وأوحى إليه صدر سورة اقرأ، وعرف جلالة قدرته، وعلو مكانته عند خلقه. وروى أحمد: )قَالَ رَأَى رَسُولُ اللَّه r جِبْرِيلَ فِي صُورَتِهِ وَلَهُ سِتُّ مِائَةِ جَنَاحٍ كُلُّ جَنَاحٍ مِنْهَا قَدْ سَدَّ الأُفُقَ يَسْقُطُ مِنْ جَنَاحِهِ مِنْ التَّهَاوِيلِ وَالدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ مَا اللَّهُ بِهِ عَلِيمٌ( (رواه أحمد، الحديث الرقم 3561). وأمّا المرة الثانية، التي رآه فيها، فقد ذكرها الله تعالى، في قوله: )وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى( (سورة النجم: الآيتان 13، 14).

وأمّا رؤية باقي الخلق لهم فهي ممكنة، ولكن عندما يتشكل الملائكة بصورة المخلوقات.

سابعاً: صفاتهم الخَلْقية

للملائكة صفات خَلْقية تختلف عن الصفات الخلقية للإنسان، أو الجان، أو الحيوان. وصفات الملائكة الخلقية من أرقى صفات المخلوقين، سواء في نواحي الجمال، أو القوة، أو توفر خصائص معينة على التشكل والسرعة، ونحو ذلك.

ومن أهم الصفات الخَلْقية المستنبطة من القرآن الكريم والسنة، ما يلي:

هم مخلوقات عظيمة الأحجام، قال رسول الله r: )أُذِنَ لِي أَنْ أُحَدِّثَ عَنْ مَلَكٍ مِنْ مَلاَئِكَةِ اللَّهِ مِنْ حَمَلَةِ الْعَرْشِ، إِنَّ مَا بَيْنَ شَحْمَةِ أُذُنِهِ إِلَى عَاتِقِهِ مَسِيرَةُ سَبْعِ مِائَةِ عَامٍ( (رواه أبو داود، الحديث الرقم 4102)، وجبريل،u حمل قرية لوط بكاملها، وبما عليها، ومن عليها إلى السماء، ثم قلبها فجعل عاليها سافلها.

ثامناً: أجنحة الملائكة

منهم من له جناحان، ومنهم من له ثلاثة، ومنهم من له أربعة أو أكثر، والدليل قوله تعالى: )الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلاَئِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ( (سورة فاطر: الآية 1).

وجبريل له ستمائة جناح، كل جناح يسدّ ما بين المشرق والمغرب.

تاسعاً: جمال الملائكة

خلقهم الله على صور جميلة قال تعالى: )عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى( (سورة النجم: الآيتان 5، 6).

قال ابن عباس في تفسير الآية: "ذو مرة: ذو منظر حسن"، والمراد به جبريل u.

عاشراً: هل يمكن للملائكة أن يتشكّلوا في صور البشر؟

للملائكة القدرة على أن يتمثلوا بصورة البشر، بإذن الله تعالى، كما أخبر الله ـ عزّ وجل ـ عن جبريل u، أنه جاء مريم في صورة بشرية. قال تعالى: )وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا (16) فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا( (سورة مريم: الآيتان 16، 17).

كما أرسل الله الملائكة إلى لوط، u وجاءوه في صور بشرية. قال تعالى: )وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيب( (سورة هود: الآية 77)، ولا شك أنهم كانوا في صور بشرية لأنه لم يعرفهم. وقبل ذلك، أرسل الله الملائكة إلى إبراهيم u في صورة بشرية، واستقبلهم وهَمَّ بإكرامهم، وجاء بعجل مشوي وقدّمه إليهم، ولمّا وجدهم لا يأكلون، أخذه الخوف حتى طمّأنوه. قال تعالى: )وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلاَمًا قَالَ سَلاَمٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ( (سورة هود: الآية 69)، وقال تعالى: )هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (24) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلاَمًا قَالَ سَلاَمٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (25) فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ( (سورة الذاريات: الآيات 24- 26) ورأتهم زوجته، كذلك، قال تعالى: )وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ( (سورة هود: الآية 71).

قال رسول الله r )عرض علي الأنبياء، ورأيت جبريل u فإذا أقرب من رأيت به شبها دحية بن خليفة(. وعندما كان جبريل يتشكل في صورة البشر كان يراه الصحابة، كما في حديث عمر بن الخطاب، الذي تحدث عن مجيء جبريل u )في صورة رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعَرِ لاَ يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ( (رواه مسلم، كتاب الإيمان: الحديث الرقم 9). وكذلك، رأته أم سلمه t، ورُوي أن عمران بن حصين t عنه كانت الملائكة تنزل لتسلم عليه، وهو طريح الفراش.

حادي عشر: الملائكة يتفاوتون في الخلق والمقدار

الملائكة ليسوا على درجة واحدة في الخلق والمقدار؛ فبعض الملائكة له جناحان، أو ثلاثة، وجبريل له ستمائة جناح، فهذا تفاوت في الخلق. أمّا التفاوت في المقدار عند الله، فلهم عند ربهم مقامات متفاوتة، ولا ريب أن المشهورين، كجبريل، يختلفون في المقدار عند الله عن عامة الملائكة.

قال تعالى في جبريل u: )إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ( (سورة التكوير: الآيتان 19، 20). أي له مكانة ومنزلة عالية رفيعة عند الله، فهو الروح الأمين، الموكل بحياة القلوب، أي بالنزول بالوحي.

قال تعالى: )نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ( (سورة الشعراء: الآيات 193-195) وهو روح القدس، قال تعالى: )قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِين( (سورة النحل: الآية 102).

وقال رسول الله r: )إن رُوح القدس نفث في روعي، أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب( (رواه البخاري) وجبريل هو سيد الملائكة ورئيسهم، وإذا تكلم الله بالوحي، تخر الملائكة سجداً، وأول من يرفع رأسه هو جبريل u وهو الذي يتلقى الوحي، أولاً، عن الله ثم يأمر الملائكة بأوامر الله.

واليهود يكرهون جبريل u ويعتبرونه عدوهم؛ ففي حديث عبد الله بن سلام مع رسول الله r قال: )ذَاكَ عَدُوُّ الْيَهُودِ مِنْ الْمَلاَئِكَةِ فَقَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ( (رواه البخاري، الحديث الرقم 4120)، وفي رواية )أن عصابة من اليهود قالوا لرسول الله: حَدِّثْنَا مَنْ وَلِيُّكَ مِنْ الْمَلاَئِكَةِ، فَعِنْدَهَا نُجَامِعُكَ، أَوْ نُفَارِقُكَ. قَالَ: فَإِنَّ وَلِيِّيَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَم وَلَمْ يَبْعَثْ اللَّهُ نَبِيًّا قَطُّ إِلاَّ وَهُوَ وَلِيُّهُ. قَالُوا: فَعِنْدَهَا نُفَارِقُكَ، لَوْ كَانَ وَلِيُّكَ سِوَاهُ مِنْ الْمَلاَئِكَةِ لَتَابَعْنَاكَ وَصَدَّقْنَاكَ. قَالَ فَمَا يَمْنَعُكُمْ مِنْ أَنْ تُصَدِّقُوهُ؟ قَالُوا: إِنَّهُ عَدُوُّنَا. قَالَ: فَعِنْدَ ذَلِكَ، قَالَ اللَّهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ إِلَى قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ فَعِنْدَ ذَلِكَ بَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ( (رواه أحمد، الحديث الرقم 2384).

وفي رواية: قالت اليهود للنبي: )لَيْسَ مِنْ نَبِيٍّ إِلاَّ لَهُ مَلَكٌ يَأْتِيهِ بِالْخَبَرِ فَأَخْبِرْنَا مَنْ صَاحِبكَ قَالَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَم قَالُوا جِبْرِيلُ ذَاكَ الَّذِي يَنْزِلُ بِالْحَرْبِ وَالْقِتَالِ وَالْعَذَابِ عَدُوُّنَا لَوْ قُلْتَ مِيكَائِيلَ الَّذِي يَنْزِلُ بِالرَّحْمَةِ وَالنَّبَاتِ وَالْقَطْرِ( (رواه أحمد، الحديث الرقم 2353).

وهو ملك كريم على ربه، أثنى الله عليه في القرآن أحسن الثناء، وصفه بأجمل الصفات، ويُعدّ من أقرب الملائكة إليه. قال بعض السلف: منزلته من ربه منزلة الحاجب من الملك. ومن قوته: أنه رفع مدائن قوم لوط على جناحه، ثم قلبها عليهم

ويلي جبريل في المرتبة ميكائيل: وهو الموكل بحياة البشر والحيوان والنبات؛ لأنه الموكل بالمطر والأرزاق ، ومعه أعوان يفعلون ما يأمرهم به بأمر ربه عزّ وجلّ، ويصرفون الرياح والسحاب كما يشاء الله، وما من قطرة من المطر تنزل إلاّ ومعها ملك، يقررها في موضعها من الأرض، حسبما يشاء الله

ويلي ميكائيل في المرتبة إسرافيل، وهو الموكل بحياة الناس بعد موتها، فهو الذي ينفخ في الصور فيقوم الناس لرب العالمين، قال رسول الله r: )كَيْفَ أَنْعَمُ وَصَاحِبُ الْقَرْنِ قَدْ الْتَقَمَ الْقَرْنَ وَاسْتَمَعَ الإِذْنَ، مَتَى يُؤْمَرُ بِالنَّفْخِ فَيَنْفُخُ. فَكَأَنَّ ذَلِكَ ثَقُلَ عَلَى أَصْحَابِ النَّبِيِّ r فَقَالَ لَهُم:ْ قُولُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا( (رواه الترمذي، الحديث الرقم 2355).

فهؤلاء الثلاثة هم سادات الملائكة، وأعظمهم، ولهذا كان رسول الله r، )إذا قام من الليل يقول: اللَّهُمَّ رَبَّ جَبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ، فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ، فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنْ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ، إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ( (رواه مسلم، الحديث الرقم 1289).

ويبدو أن معاني أسمائهم: عبدالله، فقد ورد عن ابن عباس: إنما كان قوله جبرائيل كقوله عبدالله وعبدالرحمن "، وقيل جبر: أي عبد، وإيل: أي الله، وكل اسم مرجعه إلى إيل فهو إلى الله عزّ وجلّ

ومنهم الموكل بقبض الأرواح، وهو ملك الموت وأعوانه. قال الله تعالى: )قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (سورة السجدة: الآية 11).

وقد جاءت الأحاديث أن أعوان ملك الموت يأتون العبد بحسب عمله، إن كان محسناً ففي أحسن هيئة وأجمل صورة بأعظم بشارة، وإن كان مسيئاً ففي أشنع هيئة وأفظع منظر بأغلظ وعيد

ومنهم الموكل بحفظ العبد في حله وارتحاله، وفي نومه ويقظته وفي كل حالاته، وهم المعقبات قال تعالى: )لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ( (سورة الرعد: الآية 11).

قال ابن عباس: والمعقبات من الله هم الملائكة، يحفظونه من بين يديه ومن خلفه، فإذا جاء قدر الله تعالى خلّوا عنه. وقال تعالى: )قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ( (سورة الأنبياء: الآية 42) قال ابن كثير: أي بدل الرحمن، يمتن سبحانه وتعالى بنعمته على عبيده وحفظه لهم بالليل والنهار، وكلاءته وحراسته لهم بعينه، التي لا تنام.

ومنهم الموكل بحفظ عمل العبد من خير وشر وهم الكرام الكاتبون قال تعالى: )وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ( (سورة الانفطار: الآيات 10-12).

وقال تعالى: )إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ( (سورة ق: الآيتان 17، 18). وفي الصحيح عن أبي هريرة  قال: قال رسول الله r: )يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلاَئِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلاَئِكَةٌ بِالنَّهَارِ وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلاَةِ الْفَجْرِ وَصَلاَةِ الْعَصْرِ ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ فَيَسْأَلُهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي فَيَقُولُونَ تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ( (رواه البخاري، الحديث الرقم 522).

ومنهم خزنة الجنة ومقدمهم رضوان عليهم السلام قال الله تعالى: )وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِين( (سورة الزمر: الآية 73).

ومنهم خزنة جهنم ـ عياذا بالله منها ـ وهم الزبانية، ورؤساؤهم تسعة عشر، ومقدمهم مالك عليهم السلام قال تعالى: )وَنَادَوْا يَامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ( (سورة الزخرف: الآية 77).

قال تعالى عن خزنة جهنم: )وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلاَّ مَلائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا وَلاَ يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً( (سورة المدثر: الآية 31).

أخبر الله سبحانه عن الحكمة التي جعل لأجلها عدة الملائكة الموكلين بالنار تسعة عشر، فذكر سبحانه، خمس حكم:

1. فتنة الكافرين، فيكون ذلك زيادة في كفرهم وضلالهم.

2. قوة يقين أهل الكتاب، فيقوي يقينهم بموافقة الخبر بذلك لما عندهم عن أنبيائهم؛ فتقوم الحجة على المعاند منهم، وينقاد للإيمان من يرد الله أن يهديه.

3. زيادة إيمان الذين آمنوا بكمال تصديقهم بذلك، والإقرار به.

4. انتفاء الشكوك والريب عند المؤمنين وأهل الكتاب معاً.

5. حيرة الكفار ومن في قلبه مرض، وعمى قلبه عن المراد بذلك، فيقول: )مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلا( (سورة البقرة: الآية 26).

ومنهم حملة العرش: قال تعالى: )الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا( (سورة غافر: الآية 7).

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّه ِr )إِنَّ لِلَّهِ مَلائِكَةً يَطُوفُونَ فِي الطُّرُقِ يَلْتَمِسُونَ أَهْلَ الذِّكْرِ فَإِذَا وَجَدُوا قَوْمًا يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَنَادَوْا هَلُمُّوا إِلَى حَاجَتِكُمْ قَالَ فَيَحُفُّونَهُمْ بِأَجْنِحَتِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا قَالَ فَيَسْأَلُهُمْ رَبُّهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ مِنْهُمْ مَا يَقُولُ عِبَادِي قَالُوا يَقُولُونَ يُسَبِّحُونَكَ وَيُكَبِّرُونَكَ وَيَحْمَدُونَكَ وَيُمَجِّدُونَكَ( (رواه البخاري، الحديث الرقم 5929).

ومنهم ملائكة صفوف لا يفترون، وقيام لا يركعون، وركع وسجد لا يرفعون.

عن حكيم بن حزام قال: بينما رسول الله r في أصحابه إذ قال لهم: )إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ وَأَسْمَعُ مَا لاَ تَسْمَعُونَ أَطَّتْ السَّمَاءُ وَحَقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ مَا فِيهَا مَوْضِعُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ إِلاَّ عَلَيْهِ مَلَكٌ سَاجِدٌ( (رواه أحمد، الحديث الرقم 20539).

ومنهم ملك موكل بالجبال. وقد جاء هذا الملك إلى رسول الله r عند عودته من الطائف حزيناً، وقد كذّبه قومه، وآذوه. يقول رسول الله: )فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ فَنَادَانِي فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَمَا رُدُّوا عَلَيْكَ وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ قَالَ فَنَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ وَسَلَّمَ عَلَيَّ ثُمَّ قَالَ يَا مُحَمَّدُ إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَأَنَا مَلَكُ الْجِبَالِ وَقَدْ بَعَثَنِي رَبُّكَ إِلَيْكَ لِتَأْمُرَنِي بِأَمْرِكَ فَمَا شِئْتَ إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمْ الأَخْشَبَيْنِ. فقال له رسول الله: "بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلاَبِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا( (رواه مسلم، الحديث الرقم 3352).

ومنهم غير ذلك. )وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ وَمَا هِيَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْبَشَرِ( (سورة المدثر: الآية 31).

يقول ابن القيم: والمقصود إن كل حركة في السموات والأرض: من حركات الأفلاك، والنجوم، والشمس، والقمر، والرياح، والسحاب، والجبال، والنبات، والحيوان؛ فهي ناشئة عن الملائكة الموكلين بالسموات والأرض، كما قال تعالى: )فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا( (سورة النازعات: الآية 5) وقال: )فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا( (سورة الذاريات: الآية 4)، وهي الملائكة، وهي أعظم جنود الله تعالى. ولفظ الملك يشعر بأنه رسول منفذ لأمر الله، فليس له من الأمر شيء. والملائكة تدبر أمر العالم، بإذن الله ومشيئته وأمره. فلهذا، يضيف التدبير إلى الملائكة تارة، لكونهم هم المباشرين للتدبير، كقوله: )فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا( (سورة النازعات: الآية 5)، ويضيف التدبير إليه، تارة أخرى، كقوله: )إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْر( (سورة يونس: الآية 3) فهو المدبّر أمراً وإذناً ومشيئة، والملائكة مدبرات مباشرة وامتثالاً

والملائكة الموكلة بالإنسان، من حين كونه نطفة إلى آخر أمره، لهم وله شأن آخر، فإنهم موكلون بتخليقه، ونقله من طور إلى طور، وتصويره[1]، وحفظه في ظلمات ثلاث، وكتابة رزقه، وعمله، وأجله، وشقاوته، وسعادته، وملازمته في جميع أحواله، وإحصاء أقواله وأفعاله، وحفظه في حياته، وقبض روحه عند مماته، وعرضها على خالقه جلّ وعلا. وهم الموكلون بنعيمه وعذابه في البرزخ، وبعد البعث، وهم أولياؤه في الدنيا والآخرة، يعدونه بالخير ويدعونه إليه، وينهونه عن الشر، ويحذرونه منه، وهم الداعون له، والمستغفرون له، والمصلّون عليه مادام في طاعة ربه، وما دام يعلّم الناس الخير، ويبشرونه بكرامة الله تعالى في منامه، وعند موته، ويوم بعثه.

والملائكة الذين شهدوا معركة بدر، هم من أفضل الملائكة، كما في الحديث عن رفاعة: أن جبريل جاء للنبي r فقال: )مَا تَعُدُّونَ أَهْلَ بَدْرٍ فِيكُمْ قَالَ مِنْ أَفْضَلِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا قَالَ وَكَذَلِكَ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنْ الْمَلاَئِكَةِ( (رواه البخاري، الحديث الرقم 3692).

ثاني عشر: الملائكة لا يوصفون بالذكورة ولا بالأنوثة

قال تعالى: )فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ (149) أَمْ خَلَقْنَا الْمَلاَئِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ (150) أَلاَ إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ (151) وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (152) أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ (153) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (154) أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ (155) أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ( (سورة الصافات: الآيات 149-156).

لا يجوز أن يوصف الملائكة بصفة الذكورة أو الأنوثة؛ لأنه لم يرد عن الله عزّ وجلّ، ولا رسوله، بهذا أو ذاك، بل إن الآية السابقة كأنها تدل على نفي الصفتين؟ ولا يقول قائل كيف؟؛ لأن عالم الغيب لا يجوز أن يقاس بمقاييس البشر الدنيوية، فمثلما لا يستطيع أحد أن يعقل مجيء جبريل إلى الرسول، من السماء إلى الأرض، في ثوانٍ معدودة، كذلك، لا يجوز محاولة إخضاع ما ليس للإنسان علم فيه للمقاييس والتوقعات. فهذه، يعدّها علماء المسلمون من أسباب ضلال الكفّار، الذين يسألون عما لا يفيدهم معرفته، لا في دينهم ولا دنياهم، وليسوا مكلفين بمعرفة ذلك. فلذلك، حكموا بأن الملائكة إناثاً، بلا دليل صحيح، من نصٍّ أو عقل.

ثالث عشر: الملائكة لا يأكلون ولا يشربون

والدليل قوله تعالى: )هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (24) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلاَمًا قَالَ سَلاَمٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (25) فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (26) فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلاَ تَأْكُلُونَ (27) فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لاَ تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلاَمٍ عَلِيمٍ( (سورة الذاريات: الآيات 24-28).

رابع عشر: الملائكة لا يملّون ولا يتعبون

والدليل قوله تعالى: )يُسَبِّحُون اللَّيْلَ وَالنَّهَار لاَ يَفْتُرُونَ( (سورة الأنبياء: الآية 20) )فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لاَ يَسْأَمُونَ( (سورة فصلت: الآية 38).

وهو مع عظم خلقهم، واجتهادهم في عبادة ربهم عز وجل، وتنزههم عن المعاصي من أعظم الخلق خوفاً من الله عز وجل، قال تعالى: )وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلاَئِكَةُ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ (49) يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ( (سورة النحل: الآيتان 49، 50).وقال: )وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلاَئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ( (سورة الرعد: الآية 13).

خامس عشر: منازل الملائكة

منازل الملائكة ومساكنها السماء، كما قال تعالى: )تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلاَئِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِم(.(سورة الشورى: الآية 5) وقد وصفهم الله تعالى بأنهم عنده: )فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لاَ يَسْأَمُونَ( (سورة فصلت: الآية 38). وينزلون إلى الأرض بأمر الله لتنفيذ مهمات نيطت بهم ووكّلت إليهم. وفي كل سماء يوجد ملائكة، ويعلوهم حملة العرش، والآيات والأحاديث في ذلك كثيرة.

سادس عشر: أعداد الملائكة

أعدادهم هائلة، لا يعلمها إلاّ الله وحده، قال: )وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ( (سورة المدثر: 31)

وقال رسول الله r: )يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ، يَوْمَئِذٍ، لَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ زِمَامٍ، مَعَ كُلِّ زِمَامٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، يَجُرُّونَهَا( (رواه مسلم، كتاب الجنة: الحديث الرقم 5076). فعلى ذلك، فإن الذين يأتون بجهنم يوم القيامة تسعة وأربعون مليون ملك.

وقال رسول الله، في حديث الإسراء: )الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ فِي السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، ثُمَّ لا يَعُودُونَ إِلَيْهِ( (رواه أحمد، الحديث الرقم 12100). يعني يتعبدون فيه ويطوفون به، كما يطوف أهل الأرض بكعبتهم، كذلك البيت المعمور هو كعبة أهل السماء السابعة، وفي كل سماء بيت يتعبد فيه أهلها، ويصلّون إليه.

وقال تعالى: )وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَة( (سورة الحاقة: الآية 17) ، أي ثمانية صفوف من الملائكة، وروى عن أبن عباس: ثمانية أجزاء، كل جزء منهم بعدة الإنس والجن والشياطين والملائكة.

سابع عشر: موت الملائكة

الملائكة يموتون كما يموت الأنس والجن، كما قال الله، عزّ وجلّ: )وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ( (سورة الزمر: الآية 68).

فالملائكة يشملهم الموت في ظاهر الآية؛ ولكن هل يموت أحد منهم قبل نفخة الصور، فهذا لم يرد فيه دليل بالنفي ولا بالتأكيد، كما أن هناك احتمالاً بأنهم داخلون في الاستثناء، وأنهم لا يموتون من النفخ في الصور، وهو احتمال ضعيف ينفيه قول رسول الله r )تَلْبَثُونَ مَا لَبِثْتُمْ ثُمَّ يُتَوَفَّى نَبِيُّكُمْ، ثُمَّ تَلْبَثُونَ مَا لَبِثْتُمْ ثُمَّ تُبْعَثُ الصَّائِحَةُ، لَعَمْرُ إِلَهِكَ مَا تَدَعُ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ مَاتَ وَالْمَلاَئِكَةُ الَّذِينَ مَعَ رَبِّكَ( (رواه أحمد، الحديث الرقم 15617).

قال ابن القيم: وقوله: "والملائكة الذين عند ربك": لا أعلم موت الملائكة جاء في حديث صريح إلاّ هذا. بالإضافة إلى ذلك، فإن قوله تعالى: )لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ( (سورة غافر: الآية 16). يكون حين يقبض عزّ وجلّ أرواح جميع خلقه، ولا يبقى سواه وحده لا شريك له، حينئذ يقول: )لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْم(َ (سورة غافر: الآية 16) ثلاث مرات ثم يجيب نفسه قائلاً: )لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّار( (سورة غافر: الآية 16)

ثامن عشر: الصفات الخُلُقية

1. الملائكة كرام بررة، قال تعالى: )بِأَيْدِي سَفَرَةٍ(15)كِرَامٍ بَرَرَةٍ( (سورة عبس: الآيتان 15، 16) وسماهم سفرة؛ لأنهم سفراء الله إلى رسله وأنبيائه قال r : )مَثَلُ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَهُوَ حَافِظٌ لَهُ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ( (رواه البخاري، الحديث الرقم 4556).

2. استحياء الملائكة، فمن أخلاق الملائكة الحياء. كما قال رسول الله r في عثمان بن عفان: )أَلاَ أَسْتَحِي مِنْ رَجُلٍ تَسْتَحِي مِنْهُ الْمَلاَئِكة( (رواه مسلم، الحديث الرقم 4414).

3. تتأذى الملائكة مما يتأذى منه بنو أدم، كما قال رسول الله: )مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الْبَقْلَةِ الثُّومِ وقَالَ مَرَّةً مَنْ أَكَلَ الْبَصَلَ وَالثُّومَ وَالْكُرَّاثَ فَلاَ يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا فَإِنَّ الْمَلاَئِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَم(َ (رواه مسلم، الحديث الرقم 876).

4. وتتأذى، كذلك من الأماكن التي يُعصى فيها الله، فلا تدخلها، فقد قال النبي r: )لاَ تَدْخُلُ الْمَلاَئِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلاَ صُورَةٌ( (رواه البخاري، الحديث الرقم 3075)، وقال القرطبي: إنما لم تدخل لأن متخذ الصورة قد تشبّه بالكفار، لأنهم يتخذون الصور في بيوتهم، ويعظمونها، فكرهت الملائكة ذلك فلم تدخل بيته هجراً له لذلك.

ومن حياء الملائكة، ما بيَّنه رسول الله، بقوله: )أكرموا الكرام الكاتبين الذين لا يفارقونكم إلا عند إحدى حالتين الجنابة والغائط. فإذا اغتسل أحدكم فليستتر بجرم حائط أو ببعيره أو ليستره أخوه( (رواه البزار) وفي رواية: )إن الله نهاكم عن التعري فاستحيوا من ملائكة الله الذين معكم، الكرام الكاتبين الذين لا يفارقونكم إلا عند إحدى ثلاث حالات: الغائط والجنابة والغسل، فإذا اغتسل أحدكم بالعراء فليستتر بثوبه أو بجرم حائط أو ببعيره( (رواه البزار).

تاسع عشر: عظم سرعتهم

أعظم سرعة يعرفها البشر هي سرعة الضوء فهو ينطلق بسرعة (186) ألف ميل في الثانية الواحدة، أمّا سرعة الملائكة، فهي فوق ذلك بكثير، وهي سرعة لا تقاس بمقاييس البشر.

عشرون: عِلْم الملائكة

الملائكة عندهم علم وفير، علَّمهم الله إيّاه، ولكن الله فضّل آدم عليهم؛ فعَلَّمه أسماء كل شيء، إلى يوم القيامة، مما لا يحيطون هم به، كما قال تعالى: )وَعَلَّمَ ءاَدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاَءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ( (سورة البقرة: الآيتان 31، 32).

كما أن الله وهب الإنسان مَلَكَة البحث، واكتشاف الأشياء. أمّا الملائكة، فيعلمون ذلك بالتلقّي المباشر من الله تعالى.

حادي وعشرون: الملائكة منظمون في شؤونهم

الملائكة منظمون في عباداتهم. وقد حثّنا الرسول r على الإقتداء بهم في ذلك، فقال: )أَلاَ تَصُفُّونَ كَمَا تَصُفُّ الْمَلاَئِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ تَصُفُّ الْمَلاَئِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا قَالَ: يُتِمُّونَ الصُّفُوفَ الأُوَلَ وَيَتَرَاصُّونَ فِي الصَّفِّ( (رواه مسلم، الحديث الرقم 651). لعل المراد: أثناء عبادتهم أو صلاتهم لله عز وجل.

وفي يوم القيامة يأتون صفوفا منظمة، كما قال تعالى: )وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا( (سورة الفجر: الآية 22).

وعن أنس عن النبي قال: )آتِي بَابَ الْجَنَّةِ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَأَسْتَفْتِحُ. فَيَقُولُ الْخَازِنُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَأَقُولُ: مُحَمَّدٌ. فَيَقُولُ: بِكَ أُمِرْتُ، لاَ أَفْتَحُ لأَحَدٍ قَبْلَكَ( (رواه مسلم، كتاب الصلاة: الحديث الرقم 292)، وهنا يلاحظ دقة تنفيذهم للأوامر.

ثان وعشرون: عصمة الملائكة عن الأخطاء والذنوب

وهذا يكاد يكون إجماعاً عند المسلمين. يقول القاضي عياض: إن المسلمين أجمعوا على أن الملائكة مؤمنون فضلاء. واتفق أئمة المسلمين أن حكم المرسلين منهم حكم النبيين، سواء في العصمة مما ذكر عصمتهم منه، وأنهم في حقوق الأنبياء والتبليغ كالأنبياء مع الأمم. واختلفوا في غير المرسلين منهم؛ فذهبت طائفة إلى عصمتهم جميعا عن المعاصي، وذهبت طائفة إلى أن هذا خصوص للمرسلين والمقربين. والذي عليه جماهير علماء المسلمين، هو عصمة الملائكة جميعاً، وتنزيه جنابهم الرفيع، عن جميع ما يحط من رتبهم وينزلهم عن جليل مقدارهم. وذلك لقوله تعالى: )بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ( (سورة الأنبياء: الآية 26).

ثالث وعشرون: عبادة الملائكة

الملائكة، عند أكثر علماء المسلمين، مطبوعون على طاعة الله، ليس لديهم القدرة على العصيان، كما قال تعالى: )لاَ يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ( (سورة التحريم: الآية 6)، ويرى بعض علماء المسلمين، أنهم ليسوا مطبوعين على الطاعة، بدلالة معصية إبليس ـ وهو منهم عند هؤلاء. وهذا الرأي خطأ، فليس إبليس من الملائكة، بل هو من الجن، لقول الله تعالى: )إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ( (سورة الكهف: الآية 50).

والملائكة غير مكلفين بالتكاليف التي كُلِّف بها بنو آدم، بل هم مكلفون بالعبادة والطاعة. وقد نص الله ـ عزّ وجلّ ـ على إشفاقهم (خوفهم) من عذاب الله، والخوف من أنواع العبودية، كما قال تعالى واصفاً الملائكة: )وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ( (سورة الأنبياء: الآية 28).

رابع وعشرون: نماذج من عبادتهم

1. التسبيح: الملائكة يذكرون الله، وأعظم ذكره التسبيح: )الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ( (سورة غافر: الآية 7) وتسبيحهم لله دائم لا ينقطع، لا في الليل ولا في النهار )يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لاَ يَفْتُرُونَ( (سورة الأنبياء: الآية 20)

2. الاصطفاف: سبق ذكر الحديث الذي يحث الرسول r فيه أصحابه على الإقتداء بالملائكة في الاصطفاف للصلاة.

3. الحج: يرى كثير من علماء المسلمين أن للملائكة كعبة في السماء السابعة، يحجون إليها، التي أسماها الله تعالى: (البيت المعمور) وأقسم به في سورة الطور )وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ( (سورة الطور: الآية 4).

4. خوفهم من الله وخشيتهم له: لمّا كانت معرفة الملائكة بربهم كبيرة، كان تعظيمهم له وخشيتهم منه عظيمة: وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ. وقال r : )إِذَا قَضَى اللَّهُ الأَمْرَ فِي السَّمَاءِ ضَرَبَتْ الْمَلاَئِكَةُ بِأَجْنِحَتِهَا خُضْعَانًا( (رواه البخاري، كتاب تفسير القرآن: الحديث الرقم 4332).



[1] عن أبي ذر قال سمعت الرسول r يقول: )إِذَا مَرَّ بِالنُّطْفَةِ ثِنْتَانِ وَأَرْبَعُونَ لَيْلَةً بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهَا مَلَكًا فَصَوَّرَهَا وَخَلَقَ سَمْعَهَا وَبَصَرَهَا وَجِلْدَهَا وَلَحْمَهَا وَعِظَامَهَا ثُمَّ قَالَ يَا رَبِّ أَذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى فَيَقْضِي رَبُّكَ مَا شَاءَ وَيَكْتُبُ الْمَلَكُ( (صحيح مسلم، الحديث الرقم 4783).