إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / الاجتياح الإسرائيلي للجمهورية اللبنانية، 1982، (سلام الجليل)





مراحل وتطور أعمال القتال
الهجوم على لبنان
المعالم الرئيسية للعاصمة
الحجم والأوضاع الابتدائية للجانبين
تحديد مواقع بطاريات الصواريخ
بطاريات أرض/جو




المبحث الثاني

خامساً: الطريق إلى الحرب

في 25 مارس 1982 ، بدأت الحرب بالاقتراب، حين ألقيت قنبلتان يدويتان على سيارة تابعة لجيش الدفاع الإسرائيلي كانت تسير على الطريق الرئيسي في غزة، وأدى انفجارهما إلى مقتل جندي واحد وجرح ثلاثة آخرين. ودعا مناحم بيجن مجلس الأمن الإسرائيلي، لمناقشة الموقف المتفجر، واقترح شارون، خلال الاجتماع، إرسال الطيران الإسرائيلي لقصف أهداف فلسطينية داخـل لبنان. إلاّ أن العديد من الوزراء، رأوا أن رد الفعل هذا، يمكن أن يؤدي إلى نزاع عام. وتأجل تنفيذ هذا الاقتراح.

وفي الوقت الذي تصاعد فيه الموقف، خلُصت الحكومة الأمريكية، بعد تحليل للأحداث، أن إسرائيل سوف تجتاح الأراضي اللبنانية قريباً. وكان فكر بيجن و شارون، يتجه نحو إنشاء منطقة عازلة بين المنطقة، التي تسيطر عليها منظمة التحرير الفلسطينية، وبين المستوطنات الإسرائيلية الشمالية، لتجنب القصف. وكذلك تدمير، أو، على الأقل، إلحاق أضرار بالبنية التحتية لمنظمة التحرير الفلسطينية في جنوبي لبنان.

وفي واشنطن، كانت الإدارة الأمريكية ترى، أن القتال في لبنان يتوقف على ثلاثة عوامل : اتساع العـمل العسكري، وعزم قادتِه على تحقيق أهدافهم، وأخيراً الوقت الذي سيتاح لهم، قبل وصول قوات الفصل. وكانت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية تشك في إمكانية تحقيق إسرائيل شيئاً من اجتياحها لبنان. أمّا وزير الدفاع الإسرائيلي، فكان متفائلاً حول فرص نجاح هذه العملية.

وفي أبريل 1982، أصبحت الحرب قاب قوسين من الاندلاع. ففي الثالث منه، قُتل أحد موظفي السفارة الإسرائيلية في باريس، واستشار رئيس الوزراء الإسرائيلي حكومته في الرد باستخدام سلاح الطيران. ويبدو أن بعض الوزراء لم يعجبهم ذلك الرأي، وبدأت وسائل الإعلام تندد بقوة بكل تدخل في لبنان. ولكن هذه التنديدات كانت تتحطم على أبواب مكتبَي بيجن و شارون ولا تجد أذناً صاغية. وكان بعـض أعضاء مجلس الأمن الإسرائيلي في الكنيست، على اقتناع بأن شارون سيدفع الحكومة إلى اتخاذ قرار لتنفيذ عملية عسكرية واسعة في لبنان.

وكان شارون يرى، أنه استعد، بالفعل، لتنفيذ عمل عسكري كبير داخل لبنان، ولكنه سيترك اختيار الوقت لمجلس الوزراء. وأكّد أن الأحوال الجوية ستصبح، بمرور الوقت، أكثر ملاءمة، وأنه من المنتظر وقوع اشتباكات مع سورية، عندما تتسع العمليات في لبنان. وبرر شارون تصميمه على العمل ضد لبنان، بأن النشاطات الإرهابية، كما يدعي، تزداد يوماً بعد يوم.

وفي 21 أبريل 1982، وإزاء انفجار عبوة ناسفة تحت سيارة، يقودها ضابط إسرائيلي، في الجنوب اللبناني، أصدر بيجن أوامره بشن غارات جوية على لبنـان. وبالفعل، قصف الطيران الإسرائيلي، في اليوم التالي، ثلاث قواعد في لبنان، وأسقط طائرتَي ميج ـ 23 سوريتين. وأعلن بعد الغارة الجوية، أمام أعضاء مجلس الأمن الإسرائيلي في الكنيست: "إننا عدنا إلى نقطة تجعلنا نعُدّ أنفسنا غير مرتبطين بأي عهود مع الولايات المتحدة الأمريكية أساساً،أو أي جهة أخرى سبق إعطاء وعود لها بعد قيام إسرائيل بعدوان على لبنان".

وفي 9 مايو 1982، كان اللقاء، في واشنطن، بين شارون وكل من وزير الخارجية الأمريكي، ألكسندر هيج، ووزير الدفاع، كاسبار واينبرجر Caspar Willard Weinberger. وأبلغ شارون واينبرجر القرار الإسرائيلي حول التدخل في لبنان، شارحاً الأسباب، قائلاً: "إننا لن نتساهل أمام أي هجوم فلسطيني. وإذا تطلبت الأحداث، فإننا سنتدخل. أهدافنا محددة، ولا نسعى إلى الحرب ضد سورية. لذا، يجب ألاّ تحيركم ردود فعلنا بعد اليوم". ورد واينبرجر: "بعض القضايا ليست من اختصاصي. يجب مناقشة هذه القضية مع وزير الخارجية. أمّا نحن، فنستطيع بحث نقاط عملية، كالمساعدة التي يمكن أن نقدمها إليكم". وبهذا الرد، رفض واينبرجر أن يكون شريكاً في جريمة، تريد أن ترتكبها إسرائيل.

وفي لقاء شارون وزير الخارجية الأمريكي، ألكسندر هيج، أعلن شارون أن إسرائيل قررت العمل، إذ قال: "إننا لا نرى وسيلة أخرى للدخول إلى هذه المنطقة (يقصد لبنان) وتوضيح الأمور فيها. سنقضي على البنية التحتية، السياسية والعسكرية، لمنظمة التحرير الفلسطينية، التي سنـتخلص منها لسنوات عـديدة. فهدفنا ليس إقامة لبنان مستقل، ولا طرد السوريين مـنه، إنما مثل هذه الأمور يمكن أن يكون نتيجة ثانوية. ورد هيج قائلاً: "إننا نفهم مشـكلتكم، وآمل أن تدركوا أنه، من وجهة النظر الدولية، إذا كنا حساسين تجاه الاستفزازات الحقيقية، فليس في إمكاننا أن نبقى هكذا تجاه غارات متكررة. لا بدّ لنا من العثور على أسلوب لحل القضية، من طريق خلق ظروف جـديدة. إننا نتمنى أن ينسحب السـوريون من لبنان، ونريد حكومة قوية في بيروت، حليفة لإسرائيل، كما أننا نريد أيضاً انسحاب منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان".

وقد شعر شارون من حديث هيج، أن الولايات المتحدة الأمريكية أعطته الضوء الأخضر. وفي نهاية اللقاء، كان انطباع هيج، أن إسرائيل تفكر في "عملية كبيرة". ولكن شارون طمأنه بأن الأمر لن يصل حد تدخلٍ واسع النطاق، وأن العمليات ستوقف، بعد تحقيق أهدافها.

وفي 16 مايو 1982 ، دُعيت الحكومة الإسرائيلية إلى الانعقاد ، وكانت مناقشة "الخطة الكبرى" لا تزال على جدول الأعمال. فأعرب الوزراء عن العديد من التحفظات ، إلاّ أن شارون طالب باتخاذ قرار حاسم. وقال: "إنه من الآن فصاعداً، عندما يُنتهك وقف إطلاق النار، ستوضع فورا "الخطة الكبرى" موضـع التنفيذ". وأكّد، خلال الاجتماع، أنه أبلغ واشنطن بهذا القرار، في ردٍ على رسالة من وزير الخارجية الأمريكية ألكسندر هيج إلى بيجن، الذي أعلن، بدوره، إنه من الآن فصاعداً، إذا أصيب مواطن إسرائيلي بجروح أثناء هجوم إرهابي، أو إذا تعرض أي هدف يهودي لهجوم، فإن إسرائيل ستتدخل من الفور. وإذا ما قصف الفلسطينيون مرة أخرى الجليل، فسيجتاح جيش الدفاع الإسرائيلي لبنان، من أجل القضاء نهائياً على قواعد هؤلاء الإرهابيين".

وفي يوم الثلاثاء 3 يونيه، اغتيل السفير الإسرائيلي، شلومو أرجوف Shlomo Argov في لندن. وفي اليوم نفسه، طلب بيجن عقد جلسة طارئة لمجلس الوزراء، وكان يعرف مقدماً أنه، في ظل هذه الظروف، لا يمكن أن يُرفض له أي طلب. فوافق مجلس الوزراء على قصف بعض الأهداف في جنوبي لبنان. وكانت إسرائيل تعلم مسبقاً أن الفلسطينيين سيردون، بقصف مستوطنات الشمال. وهذا ما حدث بالفعل، إذ سقطت القذائف على المستوطنات الإسرائيلية. فبدأ سلاح الجو الإسرائيلي يتدخل ليحسم المعركة، وشُرع في دعوة الاحتياطي، وبدأ الحشد الإسرائيلي نحو الشمال. وأيقن الجميع أن العمليات العسكرية ستعلن خلال ساعات.

أعلنت الحكومة الإسرائيلية بياناً، تُحدد فيه، بوضوح، أهداف العملية : "لقد كَلّفت حكومة دولة إسرائيل جيش الدفاع بوضع كل مستوطنات الجليل خارج مدى مدفعية الفلسطينيين، الذين حشدوا في لبنان مراكز قيادتهم وقواعدهم. إن الاسم "الرمزي" للعملية هو "سلام الجليل". وخلال هذه العملية العسكرية، لن نهاجم الجيش السوري، إلاّ إذا هاجم قواتنـا. وستحاول إسرائيل توقيع معاهدة سلام مع لبنان المستقل، القادر على صيانة سلامة أراضيه". ثم ما لبث شارون أن جاهر بهدف آخـر للحرب، عندما أعلن أن إبعاد السوريين عن لبنان، هو "الجولة الثانية" لهذه الحرب، التي كان يجب، في رأيه، تسميتها عملية "فرض نظام جديد في لبنان".

كان ضرب بنية المقاومة الفلسطينية التحتية هدفاً أساسياً لحرب "سلام الجليل". وذلك بعد أن تعاظمت القوة العسكرية للمقاومة الفلسطينية، التي أصبحت تهدد أمن مستعمرات إسرائيل الشمالية. وتحت شعار "إبعاد المخربين" 40 كلم شمالاً، خاض الجيش الإسرائيلي الحرب. لكن هذا الشعار سرعان ما سقط خلال أيام الحرب الأولى، بعد أن عَبَرت المدرعات الإسرائيلية خط نهر الأولي، شمالي صيدا، وأكملت سيرها نحو بيروت والجبل، منفذة ما اصطُلح على تسميته "الخطة الكبرى"، التي انتهت بحصار بيروت، وترحيل المقاومة الفلسطينية عنها.

سادساً: حجم قوات أطراف الصراع في عملية "سلام الجليل"

1. القوات الإسرائيلية

أ. القوات البرية

حشدت إسرائيل قواتها في المنطقة الشمالية منذ مطلع عام 1982، وعلى مراحل، من أجل تنفيذ هذه العملية، عندما يتهيّأ المناخ المناسب لتنفيذها.

وقُدِّر حجم القوات الإسرائيلية على الجبهة اللبنانية بفرقتين: إحداهما مدرعة، تتكون من لواءين مدرعين ولواء مشاة آلية. والأخرى مكونة من لواء مدرع، ولواء مشاة آلية، ولواء مشاة. إضافة إلى لواء مظلات، ووحدات إسناد من المدفعية والصواريخ.

وأثناء تنفيذ هذه العملية، تم زيادة حجم القوات، لتصبح ثلاث فرق ولواءَي مظلات. وقُدِّر حجم القوات الإسرائيلية المهاجمة، مع بداية العمليات، بنحو 20 ألف جندي. ثم ازداد حجمها ليصل إلى 40 ألف جندي. وفي بعض المراحل، تراوح ما بين 80 و100 ألف جندي.

وشُكِّلت هذه القوات عملياتياً (تعبوياً) كالآتي[3]:

(1) النسق الأول العملياتي، ويشكل من:

·   فرقتان: إحداهما مدرعة، والأخرى ذات تشكيل خاص، إضافة إلى لواءَي مظلات، وحتى 20 كتيبة مدفعية وهاون.

(2) احتياطي عملياتي على مستوى الجبهة، يشكّل من:

·   فرقة مدرعة مشكلة من لواءَين مدرعين ولواء مشاة آلية.

(3) احتياطي إستراتيجي للمنطقة الشمالية، يُشكّل من:

·   فرقة مدرعة، إضافة إلى لواء مشاة مستقل.

ب. القوات البحرية الإسرائيلية

خمس مجموعات قتال، تضم لواء زوارق صواريخ، وأربع وحدات إبرار بحري، وطائرتَي استطلاع.

ج. القوات الجوية الإسرائيلية

القوات الجوية الإسرائيلية من 670 طائرة قتال. وخصص مجهود جوي للعملية كالآتي:

·   حتى 3 ـ 4 طلعة سرب / يوم (خلال مراحل القتال).

·   حتى 60 ـ80 طائرة لمهاجمة صواريخ الدفاع الجوي السورية في سهل البقاع.

·   حتى 36 طائرة عمودية (أنواع متعددة).

(الحجم والأوضاع الابتدائية للجانبين يونيه 1982.(اُنظر شكل مراحل وتطور أعمال القتال).

وتشير المصادر الإسرائيلية إلى أن حجم قواتها، في حرب عام 1982، هو كالآتي:

·   القوة البشرية:            90 ألف رجل.

·   الدبابات:                 1300 دبابة.

·   الناقلات:                 12 ألف شاحنة.

                             1300 ناقلة جند مدرعة.

·   عدد من الطائرات، قوامه    634 طائرة مقاتلة.

·   عدد غير محدد من القطع البحرية.

2. القوات السورية في لبنان

نشرت سورية قواتها في لبنان تحت اسم "قوات الردع العربية"، بموافقة حكومة الرئيس إلياس سركيس، وكذلك بناء على قرارات مؤتمر القمة العربي السداسي الذي عقد بالرياض في الفترة من 16 وحتى 18 أكتوبر1976[4].

وقُدِّر حجم القوات السورية في لبنان بالفرقة الخامسة المشاة الآلية، ولواء مشاة مستقل، وعدد من كتائب المغاوير (الصاعقة)، وكتيبتَي دبابات مستقلتين، ويصل حجم هذه القوات إلى 30 ألف جندي. وأثناء سير العمليات تم تدعيمها بفرقة مشاة، دُفعت من الأراضي السورية، يومي 9 ، 10 يونيه، لمواجهة احتمالات تطـور الموقف، في أعقاب الهجوم الإسرائيلي علـى مواقع الصـواريخ السـورية في سهل البقاع، ومحاولات قطع طريق بيروت ـ دمشق بواسطة القوات الإسرائيلية. كما دُفع عدد من كتائب الصواريخ، سام ـ 6 ، سام ـ 7 ، سام ـ 8.

أمّا القوات السورية على الجبهة السورية مع إسرائيل، وفي العمق حتى دمشـق، فقد قُدِّرت، قبل بدء العمليات، بفرقة مدرعة، وفرقتين مشاة آليتين، وفرقة مشاة جبلية، ولواء مشاة مستقل.

وتشير المصادر الإسرائيلية إلى أن حجم القوات السورية، التي  كانت موزعة في لبنان، هو على النحو التالي:

·   الحجم: لواءان مدرعان، ولواءان من قوات المشاة المحمولة، وبضع كتائب من القوات الخاصة، ووحدات مدفعية، ووحدات مضادة للدبابات، وحدات مضادة للطائرات، وبطاريات صواريخ موجهة أرض/جو، ولواءان من مشاة جيش التحرير الفلسطيني، وسرية مدرعة تابعة لجيش التحرير الفلسطيني.

·   إجمالي القوة البشرية:     30 ألف جندي، تقريباً.

·   التسليح:                   300 دبابة (T-55و.T-62)

                               300 مدفع ـ عدد غير مُحدد من الراجمات ـ 80 ناقلة جند مدرعة.

3. القوات الفلسطينية داخل لبنان

سبع كتائب مشاة، وكتيبتَا دبابات، وخمس كتائب مدفعية، وكتيبتَا مدفعية صاروخية، تتمثلان في الإمكانيات التالية: 150 قطعة مدفعية متوسطة، و80 قاذفاً صاروخياً، و80 دبابة (T-34)، (T-54)، وزورقا دورية. وقُدِّر حجم هذه القوات بنحو 15 ألف مقاتل.

وتقدر المصادر الإسرائيلية حجم القوات الفلسطينية في لبنان، كالآتي:

·   القوة البشرية: 15 ألف فدائي، منهم 6 آلاف، يرابطون في الجنوب اللبناني.

·   القوة العسكرية: 100 دبابة من أنواع (T-55،T-54،T-34) و150 ناقلة جند مدرعة، 250 مدفع ميدان، 100 راجمة صواريخ، 200 مدفع مضاد للطائرات.

·    صواريخ دفاع جوي: 200 قاذف صاروخي سام ـ 7.

4. قوات "الكتائب" المسيحية

قُدِّر حجم هذه القوات بنحو 30 ألف جندي مسلحين بالآتي: M- 48، وعدد من العربات المدرعة من نوع M-113، و3 كتائب مدفعية، وكتيبة مدفعية صاروخية، وهاونات من عيارات مختلفة، وأعداد كبيرة من الأسلحة الخفيفة. وتم تدريب هذه القوات على أيدي خبراء عسكريين إسرائيليين.

سابعاً: تخطيط عملية (سلام الجليل)

1. الهدف من العملية

أ. الهدف المعلن

استهدفت إسرائيل من تنفيذ عملية "سلام الجليل" تحقيق أمن المستعمرات في الجليل، وإحداث أكبر قدر من الخسائر، في صفوف المقاومة الفلسطينية وقياداتها، والوصول إلى خط يراوح ما بين 40 و60 كم شمال حدودها السياسية مع لبنان.

ب. الهدف الحقيقي

استثمار نتائج الأعمال العسكرية للعملية التعرضية (أي العملية الهجومية)، في تحقيق الأهداف السياسية الآتية:

(1) القضاء على منظمة التحرير الفلسطينية، كقوة سياسية، بما يمهد الطريق لتمرير تسوية مقبولة، من وجهة النظر الإسرائيلية، للمشكلة.

(2) ترتيب الأوضاع الداخلية في لبنان، في ظل حكومة محررة من العناصر المسيحية اللبنانية، مع المحافظة على التوازن القومي التقليدي للطوائف.

(3) إجبار قوات الردع السورية على الانسحاب من لبنان، وبما يشكل حرجا في الموقف السياسي السوري على الصعيدين، العربي والدولي.

2. فكرة العملية

بعد التمهيد النيراني (جوي، بري، بحري) ضد التجمع الرئيسي لقوات المقاومة الفلسطينية، على امتداد عمق الجنوب اللبناني، وحتى مدينة بيروت شمالاً، ولمدة يومين، تُدفع مفارز مدرعة ومشاة آلية، على ثلاثة محاور رئيسية: المحور الساحلي في اتجاه صور وجسر القاسمية وصيدا. والمحور الأوسط من منطقة مستوطنتَي المنارة ومسكاف عام في اتجاه جسر الخردلي، والالتفاف حول النبطية ومنطقة الشقيف حتى الزهراني، على مسافة 40 كم إلى الشمال من الحدود الدولية. والمحور الثالث من الشرق، عبْر طرقات جبل حرمون. على أن تتقدم القوات الإسرائيلية حتى مسافة 4 كلم إلى الجنوب من أول موقع سوري، مع عدم مواجهة القوات السورية، والاكتفاء بتهديد أجنابها فقط.

ويتم، خلال المراحل الأولى للعملية، مهاجمة مواقع المقاومة الفلسطينية وتدميرها، بواسطة المفارز المدرعة والمشاة الآلية، بالتعاون مع أعمال الإبرار، الجوي والبحري، وتحت غطاء من القصف المركز (الجوي ـ البري ـ البحري) على الأهداف الفلسطينية، يتم الاستيلاء على الخط العام (شبعا ـ صيدا)، بعمق 40 ـ60 كم شمال الحدود السياسية، خلال يومين إلى ثلاثة أيام قتال.

وفي ضوء النجاح في تحييد الموقف السـوري، يتم تطوير الهجوم شمالاً، لاستكمال تصفية عناصر المقاومة الفلسطينية المسلحة، وحصار قياداتها داخل العاصمة بيروت، والضغط عليها حتى يتم الإذعان للشروط الإسرائيلية.

مع استثمار الظروف المواتية في توجيه هجمات قوية ضد قواعد بطاريات الصواريخ السورية، في سهل البقاع، وتدميرها، وبما يشكل ردعاً للجانب السوري، والتأثير في قراره دخول العملية أو عدمه.

تُركَّز الجهود الرئيسية، خلال المراحل الأولى للعمليات على المحور الأوسط، ثم تتحول هذه الجهود إلى المحور الساحلي، بعد تحقيق الهدف الأمني، لاستكمال تحقيق الأهداف السياسية.

ثامناً: مراحل العملية

قُسمت العملية إلى أربع مراحل، تبدأ اعتباراً من 4 يونيه 1982، وتستمر حتى تحقيق الهدف السياسي العام، وذلك كالآتي:

1. المرحلة التحضيرية

أ. مدة المرحلة: يومَا قتال (4 ـ 5 يونيه 1982).

ب. الهدف من المرحلة: إحداث أكبر قدر من الخسائر في مراكز تجمع المقاومة الفلسطينية، والتمهيد للهجوم البري الشامل علـى الجنوب اللبناني. ويتم خلالها قصف مناطق التجمع والمخيمات الرئيسية فـي كل من: صيدا، وشاتيلا، وبرج البراجنة، والأوزاعي، وخالدة، والناعمة، وصور، ومركز القيادة في الفكهاني، والمدينة الرياضية، والدامور. وكـذا قصف المواقع العسكرية الفلسطينية في: النبطية، وقلعة الشقيف، والعيشية، وعرب صاليم، ومراكز التدريب جنوبي بيروت.

2. المرحلة الأولى (تحقيق الهدف العسكري)

أ. مدة المرحلة: 3 أيام قتال ( 6 ـ 8 يونيه 1982).

ب. الهدف من المرحلة: تأمين مستوطنات شمالي إسرائيل، من أعمال القصف المدفعي والصاروخي لعناصر المقاومة الفلسطينية، والوصول إلى خط بعمق 40 ـ 60 كم، شمال الحدود الإسرائيلية (شبعا ـ صيدا). ويتم خلال هذه المرحلة تدمير التجمع الرئيسي لعناصر المقاومة الفلسطينية، في مناطق: صيدا، وصور، والنبطية، وقلعة الشقيف.

ج. تُنفذ العملية بدفع المفارز المدرعة والمشاة الآلية الإسرائيلية، في ثلاثة محاور رئيسية:

(1) المحور الأول (محور العرقوب)

بقوة حتى كتيبة مشاة آلية، في اتجاه شبعا.

(2) المحور الأوسط

بقوة لواء مشاة الجولاني، في اتجاه قلعة الشقيف والنبطية ، وبقـوة لواء مدرع، في اتجاه النبطية، لمعاونة أعمال قتال اللواء الجولاني. ثم تحول جهوده، في المرحلة التالية، إلى المحور الساحلي.

(3) المحور الساحلي

بقوة لواء مدرع، في اتجاه مدينة صور، مع حصارها، ثم دفع مفارز مدرعة شمالاً.

3. المرحلة الثانية (تحقيق الهدف السياسي) (اُنظر شكل الحجم والأوضاع الابتدائية للجانبين)

أ. مدة المرحلة: 3 أيام قتال (9 ـ 11 يونيه 1982).

ب. الهدف من المرحلة: تطوير الهجوم شمالاً، حتى مشارف بيروت. ويتم خلالها:

(1) الاستمرار في تصفية جيوب المقاومة، في المناطق المستولى عليها.

(2) متابعة عناصر المقاومة الفلسطينية شمالاً، وحتى بيروت.

(3) مواصلة الضغط وإحكام السيطرة على قيادات المقاومة، في بيروت الغربية، للقبول بشروط إسرائيل السياسية. وذلك بالتعاون مع ميليشيات "الكتائب" المسيحية .

ج. تُنفذ العملية على المحاور الثلاثة كالآتي

(1) محور العرقوب: بقوة لواء مشاة آلية ولواء مدرع، تتقدم في اتجاه قليا ـ كوكبا، بهدف الضغط على القوات السورية، ودفعها شمالاً، ثم تطور الهجوم للوصول إلى الخط العام تنورين ـ شمال جزين.

(2) المحور الأوسط: بقوة لواء مشاة الجولاني، تهاجم المواقع الفلسطينية، وتتقدم شمالاً من أجل الاستيلاء على مناطق بيت الدين ـ الباروك.

(3) المحور الساحلي: تطوير الهجوم شمالاً، بقوة فرقة مدرعة، بعد إحكام الحصار على مدينتَي صيدا والدامور.

4. المرحلة الثالثة (حصار بيروت الغربية)

أ. مدة المرحلة:  تنفذ بدءاً من 13 يونيه، وحتى تحقيق الهدف السياسي العام.

ب. الهدف من المرحلة: تكثيف الضغط على عناصر المقاومة الفلسطينية، لقبول الشروط الإسرائيلية، وإخراج مقاتليها من لبنان، مع استكمال تدمير البنية العسكرية الأساسية لفصائل المقاومة، وتهيئة أفضل الظروف الملائمة لتنفيذ الاجتياح الكامل لمراكز المقاومة في بيروت الغربية، إذا ما تطلب الموقف ذلك.

تاسعاً: تخطيط الهجوم الإسرائيلي على لبنان تخطيط الهجوم (من وجهة نظر إسرائيلية) (اُنظر شكل الهجوم على لبنان).

أوضاع القوات المعادية

1. القوات السورية

استهدف تمركز القوات السورية في لبنان، تحقيق هدفَين، هما: الفصل بين القوى اللبنانية المتنازعة؛ والدفاع عن المناطق الرئيسية؛ والتحصن في مواجهة احتمال مبادرة الجيش الإسرائيلي إلى مهاجمة دمشق، عبْر سهل البقاع. ومن أجل ذلك، اتخذت أوضاعها الدفاعية كالآتي:

أ. القطاع الأول: ويمتد شمالي منطقة صيدا حتى الدامور، على الطريق الساحلي، صعوداً حتى سفوح جبل الشيخ شرقاً، مروراً بدير القمر وبيت اليدن والعيشية وسحمر، في البقاع الغربي.

ب. القطاع الثاني: من الدامور حتى مدينة بيروت، صعوداً إلى دير العشائر، مروراً بزحلة ورياق.

ج. القطاع الثالث: ويضم مدينة بيروت. وكانت القوات السورية الموجودة فيه، تتبع القطاع الثاني.

2. القوات الفلسطينية

انتشرت القوات الفلسطينية في خمسة قطاعات رئيسية، إضافة إلى مدينة بيروت، كالآتي:

أ. قطاع الشريط الساحلي: ويضم صور صيدا والنبطية وجباع. وتمركز فيه لواء (القسطل)، بقيادة الحاج إسماعيل، وقوامه 6 آلاف فرد.

ب. قطاع العيشية: انتشر فيه لواء (اليرموك) ويقدر عدد أفراده بنحو 600 فرد.

ج. قطاع العرقوب: تمركز فيه لواء (الكرامة)، ويضم 1500 فرد، تقريباً.

د. قطاع الزهراني ـ الأولي: وكان يتبع، عسكرياً، قطاع الشريط الساحلي. انتشرت فيه كتيبة (شهداء أيلول)، التابعة للواء القسطل، بقيادة رياض كمال الشيخ. ووصل مجموع الفدائيين في هذا القطاع إلى 1500 فدائي.

هـ. قطاع الأولي ـ الدامور: ويتمركز فيه قوات (عين جالوت)، التابعة لجيش التحرير الفلسطيني.

و. قطاع بيروت: انتشر فيه نحو 6 آلاف فرد، وعدد غير محدد، من الدبابات والمدفعية والأسلحة المضادة للدبابات والطائرات.

3. هدف الخطة الإسرائيلية

·   تدمير عناصر منظمة التحرير الفلسطينية، في الجنوب اللبناني.

·   تدمير القوات السورية، في حالة تدخّلها في الحرب.

4. مرتكزات الخطة

·   استغلال الممرات والمحاور الالتفافية، في المناطق الجبلية.

·   إنزال معدات، خلف القوات الفلسطينية، لمنع انسحابها، وإنزال أعلى خسائر ممكنة بها.

وقد خصصت القوات التالية لتنفيذ الخطة (سلام الجليل):

·   المنطقة الشمالية، بقيادة الجنرال أمير دروري.

·   قوات البقاع، بقيادة الجنرال أفيجدور بن جال.

·   تشكيلات مساندة من الجيش النظامي والاحتياطي.

·   مساندة جوية كثيفة، سواء للهجوم أو النقل.

·   مساندة بحرية للهجوم والإنزال.

أ. الخطة الهجومية لقيادة المنطقة الشمالية

(1)  تتولى القوة (أ) تدمير تجمعات القوات الفلسطينية، على امتداد الشاطىء، من خلال التقدم حتى نهر الأولي، وتطهير المنطقة من الوجود العسكري الفلسطيني.

(2)  تضطلع القوة (ب) بتدمير تجمعات القوات الفلسطينية، في مرتفعات النبطية، وتتصل بالقوة (أ)، بوساطة التقدم على محور الزهراني، بعد السيطرة على جسر حبوش.

(3)  تدمر القوة (ج) التجمعات الفلسطينية، في منطقة "فتح لاند"، وتتحرك من المطلة نحو كوكبا ـ حاصبيا ـ شبعا، لمواجهة احتمال هجوم سوري.

(4)  تنزل القوة (د) عند مصب نهر الأولي، وتطوق صيدا، وتعزل الجبهة من الشمال، ريثما يمكن الاتصال بالقوّتَين (أ) و(ب).

(5)  توضع القوة (هـ) كقوة مساندة، لتعزيز الإنزال عند نهر الأولي، أو للتحرك في جبال الشوف، نحو جسر بسري.

(6)  في حالة تدخّل الجيش السوري في الحرب، تخترق القوة (و) خط الدفاع السوري الأول، في منطقة القرعون، اختراقاً تدريجياً.

(7)  القوة (ز) تحتل منطقة جزين.

ب. الخطة الهجومية لقيادة قوات البقاع

كُلِّف الجنرال أفيجدور بن جال بقيادة قوات البقاع، لإدارة الحرب من أجل تدمير القوة السورية، المتمركزة في البقاع اللبناني. ووضعت تحت قيادته قوات كافية، بالتنسيق مع القوة (و) والقوة (ج) التابعتَين لقيادة المنطقة الشمالية. وكلف سلاح الجو بمساندة القوات البرية، طوال مراحل تنفيذ العملية.

كما عهد إليها بعمليات أخرى، مثل تنفيذ عمليات وقائية، ومهاجمة أهداف الفلسطينيين، ونقل قوات المشاة بالطائرات العمودية. وكُلِّف سلاح البحرية بتنفيذ عمليات وقائية، وإنزال القوة (د) عند مصب نهر الأولي، والمحافظة على تفوق بحري، على امتداد السواحل اللبنانية.

ج. تخطيط الخداع

وضعت إسرائيل خطة خداع، لتضليل القوات السورية، وتجنّب الاصطدام بها، في المراحل الأولى من الحرب. ومن ثم، كان مجمل التصريحات الرسمية، يتركز في إخفاء نيتها في ضرب القوات السورية. ولا شك أنه كان تضليلاً مدروساً، لتحقيق الأهداف المباشرة التالية:

(1)  تأخير الاصطدام بالسوريين، ريثما يُطَهَّر الشريط الساحلي من القوات الفلسطينية.

(2)  عدم دفع سورية إلى استنفار كامل قوّتها، خشية جر إسرائيل إلى حرب، قد تشمل مرتفعات الجولان.

(3)  حصر المعركة، ضد سورية، في لبنان، وجعل الضربة العسكرية ضد قواتها رادعة.

(4)  عدم زعزعة الإجماع الداخلي، إذ توجد قوى سياسية إسرائيلية فاعلة، تتحفظ من الاصطدام بسورية.

وكان واضحاً للعديد من الخبراء الإسرائيليين، منذ اللحظة، التي قررت فيها القيادة الإسرائيلية العليا، إصدار أوامرها إلى الجيش بالتوغل إلى مسافة 40كم داخل لبنان ـ أنه لا بدّ من حدوث احتكاك قتالي، فعلي، مع القوات البرية السورية، المنتشرة في أعالي نهر الليطاني، وفي القطاعات الجبلية، على جانبَي سهل البقاع؛ إذ إن الخط الأحمر للوجود السوري، في هذا القطاع، يقع على بعد 20كم من حدود إسرائيل الشمالية. ودلت قوة المدرعات، والقوة الجوية، اللتان استخدمهما الجيش الإسرائيلي، في سهل البقاع، والجبل وفي الجنوب اللبناني، على أن القيادة العليا، قدّرت، منذ البداية، أنه ستقع، فعلاً، مواجهة برية ـ جوية مع السوريين، مما أتاح لشارون، أن ينفذ خطوات مرحلية، مهدت، ميدانياً، للمعركة الحاسمة في حرب الصواريخ السورية وتأخير المواجهة، مع قضم المواقع المهمة شيئاً فشيئاً. ففي المرحلة التالية (7 يونيه)، أبلغ شارون الحكومة أنه من أجل تجنّب المواجهة المباشرة مع السوريين في منطقة البقاع، فإن علية أن يطوقهم. فاستجابت الحكومة. ومن ثم، فتح شارون محور جزين ـ عاليه. وفي المرحلة الرابعة (8 يونيه)، طلب شارون موافقة الحكومة على الاقتراب من محور دمشق ـ بيروت لتحسين عملية التطويق. وبعد وقت قصير، فتح محور الدامور ـ عين زحلتا لتسهيل الوصول إلى طريق بيروت ـ دمشق. وفي المرحلة الخامسة (9 يونيه)، طلب شارون أن تجيز الحكومة استخدام السلاح الجوي ضد الصواريخ السورية والمدافع المضادة للطائرات. وبعد ذلك، حصل على موافقة لشن هجوم مدرع على التجمع السوري في البقاع؛ ونفذت العملية من الجنوب، وليس بالقوات، التي أُرسلت لتطويق السوريين.


 



[1] يبدو أن التغير في الموقف الأمريكي من الدور السوري في لبنان، كان عنصراً رئيسياً، إذ قال شامير لإحدى لجان الكنيست: إن الإدارة الأمريكية كانت في السابق تَعُدّ سورية عاملاً من عوامل الاعتدال والاستقرار في لبنان. ولكنها، الآن، تعيد النظر في هذا التقويم، بسبب وجود 10 آلاف مستشار سوفيتي في سورية

[2] السوريون والفلسطينيون من جانب، وقوات `الكتائب` المسيحية، على الجانب الآخر

[3] يُشكل اللواء المدرع الإسرائيلي من 110 دبابات

[4] عقد مؤتمر القمة العربي السداسي، في الرياض، في الفترة من 16 إلى 18 أكتوبر. وقد قرر المؤتمر تعزيز قوات الأمن العربية الحالية، لتصبح قوة ردع، تعمل داخل لبنان، بأمر رئيس الجمهورية اللبنانية شخصياً، على أن تكون في حدود ثلاثين ألف جندي، ويكون من مهامها، فرض الالتزام بوقف إطلاق النار، حفظ الأمن الداخلي، مساعدة السلطة اللبنانية، عند الاقتضاء، على استلام المرافق والمؤسسات العامة