إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / الصراع الهندي ـ الباكستاني





معارك لاهور وكاسور
معارك سيالكوت شاكارجارا
معركة بونش
معركة تشامب
معركة حسين والا
معركة راجستان
معركة سليمانكي
الفيلق الثاني الهندي
الفيلق الرابع الهندي
القتال في قطاع مج 101
القتال في قطاع الفيلق 33

انتشار الجبهة الشرقية
الحرب الهندية الباكستانية
الفتح على الجبهة الغربية
القتال على الجبهة الشرقية
القتال على الجبهة الغربية
باكستان والهندستان وحيدر أباد
قطاع عمل الطائرة TU-114
قضية كشمير ومشكلة الحدود



الصراع الهندي - الباكستاني

المبحث التاسع

الصراع الهندي ـ الباكستاني حول إقليم كشمير

(مايو 1999 ـ أغسطس 1999)

أولاً: الجولة الخامسة في الصراع

منذ شهر يناير عام 1990، وحتى الآن لم يتوقف التوتر أو أعمال العنف على جانبي خط وقف إطلاق النار (خط الهدنة) في كشمير الذي يبلغ طوله حوالي 720 كم ويمتد ما بين جامو ولاداخ.

وفي نهاية شهر مايو 1999، تبادل الطرفان الهندي والباكستاني الاتهامات حول إحياء وتصعيد التوتر في كشمير، حيث سعى كل منهما إلى تحميل الطرف الآخر مسؤولية تصعيد المواجهات في كشمير، إذ قامت الهند باتهام باكستان بدفعها ما يزيد عن 680 مقاتلاً نحو الشطر الهندي في كشمير يوم 9 مايو 1999 متعدين بذلك خط الهدنة بين البلدين. في حين يسعى حوالي 400 آخرون إلى اللحاق بهم تحت غطاء المدفعية الباكستانية. وقد استقر هؤلاء المتسللون في قمم جبال الهمالايا، واستطاعوا احتلال مواقع إستراتيجية تضم مناطق كارجيل، ودراس، وباتاليك في شمال القطاع الهندي في كشمير. وتعد هذه المواقع، وخاصة كارجيل، ذات أهمية إستراتيجية، حيث أنها تطل على الطريق الأهم والأوحد والأكثر سرعة وسهولة والذي يربط الجزء الهندي من كشمير بمنطقة لاداخ الجبلية في الغرب، كما تقع هذه المواقع الحيوية التي قدرت مساحتها بـ500 كم مربع، على بعد 220 كم من مدينة سريناجار العاصمة الصيفية لإقليم كشمير[1]. كما اتهمت الهند الحكومة الباكستانية بتقديم العون المادي والمعنوي لهؤلاء المتسللين، الذين أكدت الهند أنهم يضمون عناصر من المجاهدين الأفغان، فضلاً عن جنود نظاميين في الجيش الباكستاني، إلى جانب المقاومة المسلحة في كشمير.

وفي 22 مايو 1999، دفعت الهند بتعزيزات عسكرية كبيرة قوامها خمسة آلاف جندي إلى حدودها مع باكستان عند ولاية كشمير المتنازع عليها، كما وضعت سربين من طائراتها الحربية على أهبة الاستعداد عقب نجاح مقاتلين من ثوار كشمير في التسلل عبر الحدود الهندية والسيطرة على نحو عشرين موقعاً. وأكدت مصادر باكستانية أن الهند وضعت السربين المقاتلين على أهبة الاستعداد في إحدى المناطق الشمالية من إقليم جامو وكشمير الخاضع لسيطرتها تحسباً لاحتمالات توجيه ضربات في منطقتي كاراجيل ودراس بمرتفعات سياتشين التي تشهد اشتباكات عنيفة بين الجيش الهندي ومقاتلي كشمير، أسفرت عن مصرع العشرات في صفوف الجانبين.

وأعلنت باكستان وضع سلاحها الجوي في حالة استعداد وسط مخاوف من عملية هندية كبيرة على جانبي الخط الفاصل بين الدولتين، كما تم إجلاء الآلاف من مواطني منطقة وادي بنلام في الجزء التابع لباكستان من كشمير إلى مناطق أكثر أماناً، وبعيدة عن مجال القصف الهندي.

وذكرت مصادر هندية أن التعزيزات الجديدة ستنضم إلى 10 آلاف جندي موجودين بالفعل في كشمير لمواجهة التسلل الكبير الذي تقول نيودلهي أنه تم تحت ستار من نيران المدفعية الباكستانية، وهو ما تنفيه إسلام آباد.

وأعلن رئيس الوزراء الهندي "أتال بيهاري فاجباي"، أن حكومته تسعى للتوصل إلى اتفاق في الرأي بشأن الانضمام لمعاهدة الحظر الشامل على التجارب النووية قبل أن يحين الموعد النهائي لتطبيقها في سبتمبر 1999.

ومن جانبها، شرعت الهند، منذ 26 مايو 1999، في شن غارات جوية مكثفة ضد مواقع القوات الباكستانية، والكشميرية، والأفغانية المتمركزة في كارجيل، وغيرها. من المواقع التي تقع على عمق سبعة كيلومترات داخل الشطر الهندي من كشمير، بعيداً عن خط الهدنة. وقد استخدمت الهند طائرات من طراز ميج ـ23، وميج ـ27، وميراج ـ2000، التي تستطيع حمل قنابل نووية، فضلاً عن طائرات الهليكوبتر.

وقالت وزارة الدفاع الهندية، في بيانها يوم 26 مايو، إن الغارات التي تعد الأولى من نوعها منذ بداية التسعينيات أسفرت عن وقوع عدد كبير من الضحايا في صفوف "المتسللين" الذين زعمت أنهم يتلقون دعماً من القوات المسلحة الباكستانية.

وفي إسلام آباد، وجهت الحكومة الإسرائيلية تحذيراً شديد اللهجة للهند من مغبة زيادة التوتر في المنطقة ودفعها إلى شفا الحرب. وقال "سارتاج عزيز وزير الخارجية الباكستاني أن بلاده ستتخذ جميع الإجراءات الضرورية للدفاع عن نفسها إذا هاجمت الطائرات الهندية أي مواقع باكستانية.

وفي 26 مايو، اجتمع السفير الأمريكي في نيودلهي "ريتشارد سيليست" مع وزيرا لدفاع الهندي عقب الغارات وأعرب عن قلق بلاده العميق إزاء تصاعد الوضع، لكنه استبعد أي تدخل أمريكي في النزاع.

وقد أسفرت هذه الغارات الجوية عن سقوط عشرات القتلى والجرحى من الجانبين، فضلاً عن إسقاط القوات الجوية الباكستانية لطائرة هندية من نوع ميج ـ27، كما سقطت طائرة أخرى من نفس الطراز بسبب عطل فني، وقد قتل قائدا الطائرتين.

هذا، وتتهم الحكومة الهندية باكستان بالسعي إلى تغيير معالم الحدود بين البلدين في إقليم كشمير، والسعي إلى الاستيلاء على مزيد من الأراضي الهندية من خلال دفع الجنود المسلحين إلى التسلل إليها. ومن جانبها، تنفي باكستان جميع الاتهامات الهندية الموجهة إليها، معلنة أن ما يحدث في إقليم كشمير هو انتفاضة شعبية يقوم بها أهالي كشمير ضد القوات الهندية في الإقليم منذ عشر سنوات من أجل الحصول على حق تقرير مصيرهم وهو حق مشروع تؤيده باكستان وتضمنه الأمم المتحدة.

وفي 28 مايو 1999 دعا "نواز شريف" رئيس الوزراء الباكستاني الهند إلى التفاوض لحل النزاع حول إقليم كشمير، وقال في كلمة ألقاها بمناسبة مرور عام على التفجيرات النووية الباكستانية أن الهند وباكستان باعتبارهما دولتان نوويتان يتعين عليهما تجنب المواجهة العسكرية وتصعيد التوتر، لكنه تعهد في الوقت ذاته بالرد على خرق الطائرات الهندية للمجال الجوي الباكستاني. وذكر "نواز شريف" أنه أجرى اتصالاً هاتفياً بنظيره الهندي "أتال بيهاري فاجباي" واتفق معه على أنه لا حل لمشكلة كشمير إلا من خلال المفاوضات، كما بعث برسالة إلى "كوفي عنان" الأمين العام للأمم المتحدة يعرض فيها بدء المباحثات مع الهند حول حل مشكلة كشمير وطالب بإيفاد مبعوث دولي إلى المنطقة لنزع فتيل التوتر.

وفي الوقت الذي واصلت فيه الطائرات الحربية الهندية لليوم الرابع على التوالي قصف مواقع المتسللين الكشميريين وسط تحذيرات دولية من أن التوتر على جانبي الحدود بلغ حافة الخطر، برزت مؤشرات للتهدئة إثر إعلان إسلام آباد قبول نيودلهي استقبال وزير الخارجية الباكستاني "سرتاج عزيز" لبحث الموقف، في حين استقبلت الهند بفتور دعوة باكستان للأمم المتحدة للتدخل في النزاع.

فقد أكد الجنرال "سوباش بهوجواني" قائد سلاح الجو الهندي أن الغارات الجوية لإخراج المتسللين من مخابئهم في كشمير ستستمر وأن نيودلهي وضعت قواتها المسلحة في ولاية جامو وكشمير الشمالية وعلى الحدود مع باكستان في حالة تأهب قصوى.

ورغم محاولة العاصمتين التقليل من مخاطر تصاعد التوتر ليصل إلى حد المواجهة الشاملة، وصف قائد الجيش الهندي في المنطقة الشمالية الجنرال "هاري خانا" أن القتال الدائر في كشمير "أقرب إلى الحرب"، لكنه تعهد بعدم السماح باستفحالها. وجدد "خانا" الاتهامات الهندية بأن المتسللين ليسوا مجرد ثوار مسلمين، بل بينهم عناصر من الجيش الباكستاني، يدعمهم مرتزقة تابعون لحركة طالبان الأفغانية. ومن جانبه حذر الجنرال المجري "جوزيف بالي" قائد مجموعة المراقبة الدولية للحدود الهندية ـ الباكستانية من أن التوتر عند الخط الفاصل في كشمير بلغ مستوى يثير القلق.

وأعلن وزير الإعلام الباكستاني "مشاهد حسين" أن وزير الخارجية "سرتاج عزيز" سيتوجه إلى نيودلهي خلال أيام لبحث الوضع المتوتر في كشمير، وذلك عقب قبول رئيس الوزراء الهندي "آتال بيهاري فاجباي" لاقتراح رئيس الوزراء الباكستاني "نواز شريف"، في 28 مايو، بإيفاد مبعوثه إلى العاصمة الهندية.

وفي يوم 30 مايو دفعت الهند بمزيد من القوات البرية إلى منطقة المعارك في كشمير واشتبكت في معارك متلاحمة مع المسلحين المسلمين الذين تسللوا إلى مواقع حصينة داخل الجزء الهندي من كشمير، في حين واصلت المدفعية الهندية قصف مواقع هؤلاء المسلمين عبر خط وقف إطلاق النار. في الوقت نفسه أعلن رئيس الوزراء الهندي أنه ما زال يبحث عرض الحكومة الباكستانية إيفاد وزير خارجيتها "سرتاج عزيز" إلى نيودلهي لبحث سبل نزع فتيل التوتر ووقف المعارك الراهنة في كشمير. وقد أعلنت الهند أنها سوف تواصل غاراتها الجوية خلال الأيام القليلة المقبلة على المتسللين الذين يطالبون باستقلال الإقليم عن الهند بالقرب من الجزء الذي تسيطر عليه باكستان في كشمير.

وأكد المتحدث الهندي أن القوات الهندية دفعت المتسللين إلى التقهقر في جميع القطاعات بالجانب الهندي من خط وقف إطلاق النار في منطقة كشمير المتنازع عليها، وخاصة في قطاعات كارجيل ودراس وباكاليك.

وقال "سرتاج عزيز" وزير الخارجية الباكستاني: "إن بلاده تحرص على تهدئة التوتر مع الهند، ولكنها لن تعتذر لها عن إسقاط طائرتين هنديتين في كشمير"، ونقلت وسائل إعلام محلية في باكستان عن عزيز قوله أنه سيجتمع مع نظيره الهندي في نيودلهي خلال الأسبوع الحالي لنزع فتيل التوتر في كشمير لتقديم اعتذار عن إسقاط الطائرتين. كما جدد "نواز شريف" الدعوة إلى إجراء محادثات مباشرة بين الطرفين على أساس إعلان لاهور التاريخي.

وفيما تعتبر الهند أن سماح القوات الباكستانية للمجاهدين الأفغان، والمجاهدين المسلمين من دول آسيا الوسطى الإسلامية بالمشاركة في المقاومة مع قوات كشمير ضد القوات الهندية تعد بمثابة مشاركة صريحة من الجيش الباكستاني في هذه الأعمال، فإن وزير الدفاع الهندي قد حذر باكستان من تدخل الجيش الباكستاني فعلياً في هذه المعارك، حيث أن العواقب، على حد قول وزير الدفاع الهندي، ستكون وخيمة وسوف تحمل الهند الحكومة الباكستانية المسؤولية كاملة.

ثانياً: حرب محدودة

وفي 18 يونيه 1999، أعلنت الهند أنها لا تتوقع نشوب حرب واسعة مع باكستان في الوقت الذي واصلت فيه قواتها قصف مواقع دعاة الانفصال المتحصنين في جبال كشمير وسط أنباء عن سقوط عدد كبير من القتلى في صفوفهم. في الوقت ذاته اتهمت باكستان الهند بمواصلة حشد قواتها على الحدود وباتخاذ أوضاع هجومية.

وقد أعلن "جاسوانت سينج" وزير الخارجية الهندي أنه لا يتوقع نشوب حرب على نطاق واسع مع باكستان بسبب كشمير، وقال في تصريحات صحفية أنه لا يرى أيضاً أي مؤشرات على أن المتسللين ـ الذين تتهم الهند باكستان بدعمهم ـ على وشك الانسحاب من الجانب الهندي في كشمير بمحض إرادتهم.

كما أعلن المتحدث باسم سلاح الجو الهندي أن الضربات الجوية مستمرة على المرتفعات التي يتحصن فيها المتسللون في شمال كشمير الهندية، بينما يتواصل القصف المدفعي المتبادل بين القوات الهندية والباكستانية على طول خط المراقبة الفاصل بينهما في الإقليم المتنازع عليه.

ثالثاً: بيان مجموعة الثماني

وفي 18 يونيه 1999 دعت باكستان دول مجموعة الثماني إلى دعم تسوية شاملة للنزاع بينها وبين الهند المستمر منذ نصف قرن حول كشمير وعدم حصر وجهة نظرها حول الأزمة في إطار محدود. ودعا رئيس الوزراء الباكستاني "نواز شريف" المشاركين في قمة الدول الصناعية في كولونيا إلى لعب دور إيجابي من أجل حل مسألة كشمير وتجنب مواجهة شاملة بين البلدين.

ومن جانبه كرر وزير الخارجية الهندي "جاسوانت سينج" أن الوسيلة الأبسط لضمان وقف تدهور الوضع بالمنطقة هي الانسحاب الباكستاني، في إشارة إلى مطالبة باكستان بانسحاب المقاتلين الانفصاليين الذين تعتبرهم نيودلهي متسللين من باكستان إلى القطاع الهندي من كشمير، وهو ما تنفيه إسلام آباد. وأشار الوزير الهندي إلى أنه يتوقع من مجموعة الثماني أن تضغط على باكستان لسحب قواتها وإعادة الوضع الذي كان قائماً قبل اندلاع المواجهات على خط المراقبة الفاصل بين حدود البلدين. وطالب سينج بمراجعة كيفية استخدام باكستان للمساعدات المالية لكيلا تكون وسيلة للعدوان على الهند على حد قوله.

وفي 19 يونيه 1999، أعلنت الهند مجدداً رفضها لأي تدخل خارجي في النزاع مع باكستان حول كشمير في الوقت الذي واصلت فيه قواتها قتالاً شرساً مع العناصر الانفصالية في الإقليم، في محاولة للسيطرة على طريق إمدادات إستراتيجي.

وفي 21 يونيه 1999، صدر بيان قمة كولونيا لمجموعة الدول الثماني الذي دعا إلى إنهاء المعارك في كشمير، مشيرة إلى انتهاك "غير مسؤول" لخط المراقبة الفاصل بين الهند وباكستان في كشمير.

وقد أشادت الحكومة الهندية ببيان قمة كولونيا واعتبرته إدانة واضحة لباكستان رغم عدم تسميتها بالاسم ـ وإنه يلزمها بالتالي بسحب قواتها من كشمير "الهندية". كما وصفت صحيفة "هندوستان تايمز" البيان بأنه نجاح للدبلوماسية الهندية في نيل تأييد الغرب للمرة الأولى منذ خمسة عقود لموقف نيودلهي من النزاع حول كشمير.

وفي المقابل رأت إسلام آباد أن بيان مجموعة الثماني كرر وجهة نظر باكستان التي تدعو إلى وقف المواجهات العسكرية واستئناف الحوار بين البلدين.

وفي إطار الضغوط التي تمارس على باكستان بشأن الأزمة، ذكر مسؤول في البيت الأبيض أن الحكومة الأمريكية قد تلجأ لتعليق قرض من صندوق النقد الدولي لباكستان قدره 100 مليون دولار. ونقلت صحيفة "واشنطن بوست" عن المسؤول قوله أن الإدارة الأمريكية تبحث الخطوة التي تستهدف الضغط على باكستان لسحب المتسللين في كشمير إلى الجانب الخاضع لها من الإقليم.

كما طالب رئيس لجنة العلاقات الدولية في مجلس النواب الأمريكي "بنيامين جيلمان" إسلام آباد بوقف ما وصفه بتدخلها في كشمير. كما طالب المجتمع الدولي بالوقوف إلى جانب الهند في الأزمة الراهنة مع باكستان، مشيراً إلى أن التقارير تؤكد قيام الجيش والمخابرات الباكستانية بدفع آلاف الرجال إلى الجانب الخاضع لها من خط المراقبة الفاصل في كشمير وأن المئات منهم عبروا الحدود الهندية.

إلا أن السفير الأمريكي في إسلام آباد "ويليام ميلانم" قد أكد أن باكستان أظهرت مرونة إزاء حل الأزمة خلال محادثات الجنرال الأمريكي "أنتوني زيني" مع المسؤولين الباكستانيين أخيراً. وأعرب "ميلانم" عن اقتناعه بأن الأزمة ستجد طريقها للحل خلال وقت قصير. وأوضح السفير الأمريكي أنه لا توجد تحركات فورية لترتيب عقد لقاء قمة بين رئيس الوزراء الباكستاني "نواز شريف" والرئيس الأمريكي "بيل كلينتون". نافياً أن تكون بلاده قد أيدت الهند في موقفها من الأزمة.

رابعاً: اتصالات وزيارات سرية بين الهند وباكستان

لقد تلقى رئيس الوزراء الهندي يوم الاثنين 28 يونيه اتصالاً من نظيره الباكستاني، حيث اتفقا على مواصلة الاتصالات بين البلدين، لإحياء مبادئ "إعلان لاهور".

وتوقع وزير الدولة للشؤون الخارجية الباكستانية الأسبق "نياز نايك" أن يلتقي مسؤولون عسكريون من البلدين خلال الأيام القليلة القادمة لبحث جدول زمني لسحب العناصر الانفصالية المتسللة من كشمير الهندية. وأكد نايك أنه بحث الأمر، الأحد الموافق 27 يونيه، في نيودلهي، مع رئيس الوزراء الهندي، "آتال بيهاري فاجباي". وتتزامن تصريحات نايك مع ما كشفت عنه أمس مصادر حكومية باكستانية رفيعة المستوى من حدوث زيارات سرية متبادلة بين نيودلهي وإسلام آباد خلال الأيام القليلة الماضية. وأوضحت المصادر أن زيارة "نايك" لنيودلهي أعقبت زيارة السكرتير الأول لرئيس الوزراء الهندي لإسلام آباد ولقاءه "نواز شريف" الذي تلقى رسالة من "فاجباي" تطالبه "باستدعاء" المتسللين الذين تتهم الهند باكستان بدفعهم إلى كشمير الهندية.

وأعلن "سرتاج عزيز" وزير الخارجية الباكستاني أن الأزمة الراهنة مع الهند لا تشهد المزيد من التصعيد، وأنها تتجه نحو التهدئة. لكنه أشار إلى أن عملية التهدئة لن تبدأ قبل أن يتوقف إطلاق النار وتقبل الهند الحوار. وطالب "عزيز" الأمم المتحدة بالتوسط في النزاع الدائر بكشمير، واتهم السلطات الهندية بارتكاب انتهاكات كبيرة لحقوق الإنسان في الجزء الخاضع لها من كشمير.

خامساً: انتصار هندي ضخم

وفي 4 يوليه 1999، حققت القوات الهندية انتصاراً عسكرياً ضخماً باستعادتها السيطرة على مرتفعات "تاجر هيلز" الإستراتيجية في جبال الهيمالايا بالقطاع الهندي من كشمير، بعد معركة عنيفة استمرت عشر ساعات مع من تسميهم الهند المتسللين من باكستان. وقال وزير الدفاع الهندي "جورج فرنانديز" أن المعارك مستمرة لاستعادة السيطرة على التلال المجاورة. وقد بدأت القوات الهندية بعد ذلك التركيز في عملياتها الهجومية على جبهة "باتاليك" لطرد المتسللين.

وفي 7 يوليه 1999 صرح عسكريون هنود أنهم استعادوا السيطرة على مرتفعات "جوبار" في قطاع باتاليك أحد أصعب جبهات القتال الرئيسية الثلاث.

سادساً: قمة أمريكية ـ باكستانية

وفي 4 يوليه 1999، وصل إلى واشنطن رئيس الوزراء الباكستاني "نواز شريف" في زيارة مفاجئة للولايات المتحدة تستغرق يومين يجري خلالها محادثات مع الرئيس الأمريكي "بيل كلينتون" حول سبل نزع فتيل الأزمة الحالية بين الهند وباكستان بسبب إقليم كشمير المتنازع عليه.

وفي نيودلهي أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الهندية أن كلينتون دعا "فاجباي" لزيارة واشنطن، ولكن رئيس الوزراء الهندي اعتذر للرئيس الأمريكي لأن الوقت غير مناسب حالياً لمثل هذه الزيارة.

وقالت المصادر أن "نواز شريف" في موقف صعب للغاية، حيث أن أمامه خيارين لا ثالث لهما:

الأول: هو الامتثال للضغوط الأمريكية والدولية المطالبة بسحب من تسميهم الهند بالمتسللين، الأمر الذي سيكون له عواقب وخيمة عليه وعلى الروح المعنوية لباكستان ككل.

والخيار الثاني: هو رفض الامتثال لهذه الضغوط مما سيعني اتساع نطاق الأعمال العسكرية بين الهند وباكستان ربما تؤدي لاندلاع حرب بينهما.

وتعهد "نواز شريف" في لقاء القمة مع "بيل كلينتون" بسحب المتسللين من كشمير الهندية، واتفق الجانبان على ضرورة احترام خط المراقبة الفاصل بين الهند وباكستان في الإقليم المتنازع عليه. وقد فسرت باكستان وجهة نظرها من الاتفاق بأنه يعني أن يقوم المجاهدون في كشمير بتغيير مواقعهم.

وقد رفضت مختلف الأحزاب والقوى السياسية الباكستانية، وجماعات المجاهدين الكشميريين على السواء "اتفاق واشنطن"، واعتبرته خيانة ودعت بعضها إلى إقالة "نواز شريف" من منصبه.

وفي محاولة لتخفيف حدة الانتقادات التي يتعرض لها رئيس الوزراء الباكستاني داخل بلاده بسبب اتفاقه مع الرئيس الأمريكي. صرح وزير خارجيته "سرتاج عزيز" بـأن باكستان لا تضمن أن يستجيب المتسللون لطلبها منهم بأن ينسحبوا من المناطق التي استولوا عليها أخيراً في القطاع الهندي من كشمير، كما قال "سرتاج عزيز" لهيئة الإذاعة البريطانية: "إن الاتفاق الذي وقعه "نواز شريف" و"كلينتون" لا يتضمن إطاراً زمنياً لانسحاب المتسللين، وأن عملية الانسحاب تعتمد على كيفية تهدئة مخاوفهم، لأنه ما لم تتم تهدئة هذه المخاوف ـ التي لم يحددها ـ فانهم سيرفضون الانسحاب". وحذر وزير الخارجية الباكستاني من أنه ليس متأكداً حتى الآن مما إذا كان المتسللون سيستجيبون لمطالب إسلام آباد لهم بالانسحاب أم لا.

سابعاً: التغير الأمريكي

والشيء الذي يكتسب أهمية بشكل خاص في نزاع كشمير هذه المرة، مع ما يقترن به من تداعيات دولية ومناورات دبلوماسية، هو الطريقة التي غيرت بها الولايات المتحدة موقفها تجاه باكستان.

كانت باكستان تعتبر تقليدياً، على رغم كونها دولة إسلامية، حليفاً للولايات المتحدة، مثلما جرت العادة أن تدرج الهند، على خلفية "اشتراكية نهرو"، في خانة مؤيدي الاتحاد السوفيتي. وحتى في عالم القطب الواحد، في أعقاب تفكك الاتحاد السوفيتي، استمرت الولايات المتحدة في تبني سياسة خارجية إيجابية فاعلة تجاه باكستان،وعدم تفويت أي فرصة لتوجيه النقد إلى الهند على صعيد قضايا متنوعة تراوح من انتهاكات حقوق الإنسان في كشمير إلى سياسات حكومتها في شأن الاستثمارات الأجنبية. وفي هذا السياق، يبدو التحول في السياسة الأمريكية، بتأييد الهند علناً وانتقاد باكستان بشكل صاخب، مفاجئاً ونشازاً. وقال "ظفار عباس"، مراسل هيئة الإذاعة البريطانية في إسلام آباد، أن الإدارة الأمريكية اعتادت في السابق اتخاذ موقف نقدي تجاه المقاتلين (الإسلاميين) وقوات الأمن على السواء في كشمير، لكنها كانت تتحاشى اتهام باكستان بشكل مباشر.

هكذا، لم تبد الولايات المتحدة أبداً تعاطفها مع موقف الهند في شأن كشمير كما هو الحال الآن. وقال "كارل ايندر فورث" مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون جنوب أسيا "نركز الاهتمام بقوة على إعادة تثبيت حرمة خط المراقبة (خط وقف النار). يمكن بعدئذ أن تكون هناك هدنة واستئناف لعملية لاهور. لم يكن من المفترض إن تتوجه حافلة لاهور ـ دلهي، من لاهور إلى كارجيل (في كشمير حيث دارت المعارك الأخيرة). نريد أن نعود إلى لاهور". وكان بذلك يشير إلى تسيير خط الحافلات بين الهند وباكستان، والذي نتج عنه أخيراً تفاهم بين رئيسي الوزراء الهندي والباكستاني.

وكي يفهم المرء التحول في الموقف الأمريكي، لابد له أن يتفحص التغيرات داخل الهند، فضلاً عما طرأ من تغيير على خريطة السياسة الدولية. على صعيد الهند، أدى اغتيال رئيس الوزراء وزعيم حزب المؤتمر "راجيف غاندي" إلى تحول في سياسات الهند تجاه العالم العربي والقضية الفلسطينية، كما دشن بداية العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل. وافتتحت قنصلية لإسرائيل في نيودلهي في 1992، وتطور التفاعل الثقافي والاقتصادي والسياسي بين البلدين. وعلى رغم أن اعتراف الهند بإسرائيل كان متمشياً من جهة، مع نمط عالمي عام، فإن هذه الخطوة شكلت، من جهة أخرى تحولاً مهماً في السياسة الخارجية، لأن الهند كانت تقليدياً من أقوى المتعاطفين مع القضية الفلسطينية.

وأدت قضايا مثل العولمة وفتح الاقتصاد الهندي المغلق وتدفق الاستثمارات الأجنبية، خصوصاً الأمريكية، إلى تغيير دينامية علاقة الهند بالمنتج الأمريكي كسوق ومجهز للمواد الخام. ولقيت سياسات الهند الاقتصادية التقدمية والنهج العلماني لحكومتها، بخلاف الطابع الإسلامي للدولة في باكستان، استحسان الإدارة الأمريكية. وقال "أشوك أغارول"، وهو خبير في السياسة الأمريكية في جامعة جواهر لال نهرو في نيودلهي، أن "الخوف من خطر إسلامي هو الذي يتحكم أساساً بالسياسات الدولية للولايات المتحدة، حتى في هذا الزمن والعصر". ووجدت الولايات المتحدة في الهند، انسجاماً مع موقفها المتشدد تجاه حركة طالبان في أفغانستان وخوفاً من تعاظم نفوذ الحركات الإسلامية في العالم، شريكاً مناسباً وجاهزاً لإقامة قاعدة لها في منطقة جنوب آسيا. وبدا أن التعامل مع باكستان التي تنخرها المشاكل الاقتصادية وتعاني من عدم الاستقرار السياسي، أكثر صعوبة بكثير. هكذا جاء التحول في السياسة لأمريكية تجاه باكستان متمشياً مع سعي واشنطن للقيام بدور "شرطي العالم" وكذلك انطلاقاً من مصالحها الاقتصادية.

ومع ذلك وعلى مستوى آخر، عندما أجرى الرئيس الأمريكي "بيل كلينتون" اتصالاً هاتفياً برئيسي وزراء الهند وباكستان ليخصهما على حل النزاع، كان يخطو بحذر شديد على أرض لم يكن أحد من الغرباء سيجرأ على أن يطأها إطلاقاً. وعندما اقترح أن تستخدم باكستان نفوذها لسحب المقاتلين الكشميريين من أرضي الهند، كان يعبر على الأقل عن مخاوف العالم المتزايدة من احتمال أن يتفاقم هذا النزاع المبهم ويخرج عن السيطرة.

ثامناً: الحكومة الباكستانية تدعو المتسللين إلى إنهاء أزمة كشمير

وفي 9 يوليه 1999، دعت الحكومة الباكستانية للمرة الأولى العناصر المتسللة في كشمير الهندية إلى المساعدة على إنهاء الأزمة الراهنة مع نيودلهي التي أعلنت من جانبها إحرازها انتصارات عسكرية كبيرة أسفرت عن استعادة مرتفعات بتاليك ـ إحدى أصعب جبهات القتال ـ بالكامل.

إلا أن الحكومة الباكستانية لم تطالب المجاهدين في كشمير بشكل مباشر وصريح بالانسحاب من الأراضي الهندية.

وذكرت التقارير أن رئيس الوزراء الباكستاني "نواز شريف" أجرى اتصالات مع العديد من جماعات "المجاهدين" للوفاء بالتعهد الذي قدمه للرئيس الأمريكي "بيل كلينتون" باتخاذ خطوات ملموسة لإنهاء القتال. وكان رد الفعل الأولي من عدد من الجماعات الانفصالية هو رفض النداء الذي وجهته لجنة الدفاع بمجلس الوزراء وهي أعلى هيئة مدنية وعسكرية في باكستان لحل الأزمة المستمرة منذ شهرين. وقد رفضت جماعة البدر المسلحة، إحدى الجماعات الداعية للانفصال في كشمير الاستجابة لنداء الانسحاب، الذي وجهه لها رئيس الوزراء الباكستاني في اجتماعه معهم أمس الأول. لكن لم يرد رد رسمي من مجلس الجهاد المتحدة وهو المنظمة التي تضم جماعات "المجاهدين" والذي انتقد تعهدات "نواز شريف" للولايات المتحدة بإنهاء حملتهم الرامية لوضع نهاية لحكم الهند في الإقليم المتنازع عليه.

وقالت صحيفة "ذانيوز" الباكستانية إن شريف اجتمع مع العديد من زعماء "المجاهدين"، في 9 يوليه، لدعم نداء لجنة الدفاع. ونسبت الصحيفة إلى هؤلاء الزعماء انهم لن يتخذوا أي خطوات من شأنها إلحاق الضرر بعملية السلام التي اختارت الحكومة انتهاجها.

تاسعاً: اجتماع القادة العسكريين

وفي يوم 11 يوليه 1999 عقد كبار القادة العسكريين الهنود والباكستانيين اجتماع، بالقرب من الحدود بين البلدين لبحث الأزمة. وأعلن "سارتاج عزيز" وزير خارجية باكستان أن القادة العسكريين قد اتفقوا على القيام بفصل بين القوات في كشمير لإنهاء الأزمة التي تفجرت هناك منذ حوالي شهرين بقيام المتسللين، الذين تصفهم باكستان بأنهم مقاتلون كشميريون مسلمون، باحتلال قمم الجبال من قطاعات كارجيل ودراس وباتاليك. وأوضح "سارتاج عزيز" أن الفصل بين القوات يستمر تدريجياً في جميع المرتفعات الإستراتيجية في المنطقة.

وأكدت الهند، في 11 يوليه 1999، وللمرة الأولى أنها تملك أدلة على أن المتسللين الذين يحتلون بعض المواقع الجبلية في شمال الجانب الهندي من كشمير بدأوا الانسحاب من مواقعهم، تنفيذاً للتعهد الذي قطعه رئيس الوزراء الباكستاني "نواز شريف" للرئيس الأمريكي "بيل كلينتون"، في 5 يوليه 1999.

وصرح "براجيش ميشرا" مستشار الأمن القومي الهندي بأن بلاده لديها أدلة على أن المتسللين المدعومين من باكستان ينسحبون من قطاعي كاكسار وموشكوه في منطقة كارجيل، وأن الجيش الهندي يتحقق الآن من صحة هذه الأدلة. وتوقع "براجيش ميشرا" أن ينتهي انسحاب المتسللين المتحصنين بالمرتفعات في قطاعات كارجيل ودراس وباتاليك خلال أسبوع.

وجاء الإعلان عن بدء انسحاب المتسللين، الذين تعتقد الهند أن من بينهم جنوداً حكوميين باكستانيين بعد وقت قصير من انتهاء أول اجتماع يعقده كبار القادة العسكريين الهنود والباكستانيين.

عاشراً: الهند تعطي باكستان مهلة

وفي يوم 13 يوليه 1999، أعطت الحكومة الهندية باكستان مهلة حتى يوم الجمعة 16 يوليه لسحب المتسللين الذين دخلوا من أراضيها إلى الجزء الهندي من كشمير، في الوقت الذي ساد الهدوء على طول جبهات القتال في كشمير للمرة الأولى منذ شهرين.

مصادر رسمية هندية أن نيودلهي لن تستجيب للطلب الباكستاني باستئناف الحوار بين البلدين إلاّ بعد انسحاب آخر متسلل وإعادة الوضع إلى خط السيطرة في كشمير إلى ما كان عليه. وأضافت المصادر أن الهند على استعداد لطرح جميع القضايا العالقة مع باكستان على مائدة المفاوضات بما فيها قضية كشمير، كما أن الهند حريصة على إقامة علاقات ودية مع جميع جيرانها.

وفي يوم 16 يوليه، أعلنت الهند أن العمليات العسكرية التي تواصلت لمدة شهرين لطرد العناصر الانفصالية من القطاع الخاضع لسيطرتها في كشمير انتهت تقريباً، حيث واصل مئات المتسللين انسحابهم من المنطقة.

وأعلنت نيودلهي أنها مددت المهلة الممنوحة للمتسللين لاستكمال انسحابهم يوماً آخر حتى أول ضوء يوم 17 يوليه 1999. وذكر مسؤولون هنود أنه بناء على طلب السلطات الباكستانية تم تمديد مهلة الانسحاب ـ التي انتهت يوم 16 يوليه ـ لأسباب فنية، وأكدوا استئناف القوات الهندية عملياتها بعد انتهاء المهلة، وستعتبر من بقى من المتسللين عدواً.

حادي عشر: لا تفكير في استئناف المفاوضات

وفيما يتعلق باستئناف المحادثات مع باكستان بهدف حل القضايا المعلقة بين البلدين، قال مستشار مجلس الأمن القومي الهندي "براجيش ميشرا" في تصريحات نشرتها الصحف الهندية، أنه لا تفكير إطلاقاً في استئناف المحادثات مع إسلام آباد إلا بعد التأكد من عودة جميع المتسللين إلى الجانب الباكستاني من خط السيطرة الفاصل بين شطري كشمير.

كما استبعد مستشار الأمن القومي الهندي إجراء محادثات بين البلدين على المستوى الوزاري قبل تشكيل الحكومة الهندية الجديدة في أكتوبر المقبل، مشيراً إلى إمكانية عقد هذه المحادثات على مستوى الخبراء أو وكيلي الخارجية.

ثاني عشر: القوات الهندية تحتل المرتفعات

وفي يوم 16 يوليه ذكر متحدث عسكري هندي أن قوات الجيش الهندي تقوم باحتلال المرتفعات التي انسحب منها المتسللون بقطاعات باتاليك ـ وكاكسار ودراس، وتستعد القوات الهندية للتقدم لاحتلال المواقع المتاخمة لخط السيطرة في وادي مشكوه.

1. خسائر الجانبين

هذا وقد أوضح المتحدث العسكري الهندي أن عدد الخسائر في الأرواح في الجانب الهندي ارتفع ليصل إلى 407 قتلى من بينهم 24 ضابطاً و584 جريحاً وستة مفقودين. بينما بلغت الخسائر في الأرواح بالجانب الباكستاني 696 قتيلاً من بينهم 41 ضابطاً.

2. الهدوء يسود كشمير

وفي يوم 17 يوليه ساد الهدوء كشمير مع انتهاء المهلة الإضافية التي حددتها الهند للانفصاليين الذين تسللوا من باكستان للانسحاب من الشطر الهندي من الإقليم الذي كان مسرحاً لمعارك استمرت شهرين.

وأعلن الجيش الهندي أن انسحاب المتسللين من الجانب الهندي من خط وقف إطلاق النار في كشمير قد اكتمل بالفعل. وقال مسؤول كبير بالجيش إن "الانسحاب الكامل تم من قطاعات دراس وكاكيار وباتاليك"، وأكد الجيش الهندي أنه يقف عند خط المراقبة الفاصل بين شطري كشمير بعد طرد المتسللين نحو الحدود الباكستانية. وحذر الجيش الهندي من أنه سيتعامل مع المتسللين الباقين في كشمير الهندية بعد الآن كعناصر عدائية وأنه لن يتم منحهم مهلة جديدة للانسحاب.

وفي يوم 18 يوليه أعلن وزير الدفاع الهندي "جورج فرنانديز" أن جميع المقاتلين الذين تسللوا من باكستان إلى القطاع الهندي من إقليم كشمير قد انسحبوا من المنطقة وأن آخر الجنود الباكستانيين غادروا الإقليم.

وأكد أحد الضباط الهنود، في تصريحات لوكالة الأنباء الفرنسية، أن الجيش الهندي وصل إلى الحدود الباكستانية عند خط المراقبة الفصل بين القطاع الهندي والباكستاني من الإقليم، وأنه توغل في كل مناطق القتال في الأسابيع الأخيرة باستثناء بعض النقاط المعزولة. وأضاف أن الهند تبني ملاجئ محضة جديدة لمنع تكرار عمليات التسلل، خاصة بعد أن أصبح العدو يعرف المواقع السابقة، مشيراً إلى أن الجانب الباكستاني قد اتخذ نفس الإجراء على الشطر الآخر من خط المراقبة الفاصل.

وذكرت صحيفة "بايونير" الهندية أن نيودلهي ستنفق نحو 100 مليون روبية يومياً (203 مليون دولار) لتغطية نفقات خطة جديدة لمراقبة الخط الفاصل بين شطري كشمير لمنع أي عمليات تسلل أخرى قد تقع مستقبلاً. ونقلت الصحيفة عن وزير الدفاع الهندي أن الخطة تشمل نشر 10 آلاف جندي، واستخدام نظام مراقبة مزود بتكنولوجيا عالية على الحدود الهندية الباكستانية في كشمير البالغ طولها 140 كم ونفى وزير الدفاع الهندي أن تكون عملية التسلل الأخيرة في كارجيل قد وقعت بسبب فشل أجهزة الاستطلاع والمخابرات الهندية في رصدها. مشيراً إلى أنه يتعذر إقامة مواقع حراسة دائمة على طول الخط الفاصل بين شطري كشمير.

ثالث عشر: الهند وباكستان تتبادلان القصف المدفعي

في تهديد لاتفاق الهدنة القائم منذ 10 أيام بين الهند وباكستان. تبادل الجانبان يوم 21 يوليه 1999 القصف المدفعي العنيف في كشمير، في الوقت الذي ردت فيه إسلام آباد بفتور على دعوة نيودلهي لاستئناف الحوار بين الجانبين.

فقد قصفت القوات الهندية فلول الانفصاليين الذين يسيطرون على مئات الأمطار فوق ثلاثة مرتفعات في القطاع الهندي من كشمير، وقد ردت القوات الباكستانية بقصف عنيف للمواقع الهندية، مما آثار مخاوف من انهيار اتفاق فك الاشتباك بين الجانبين في كشمير، القائم منذ 10 أيام والذي انسحب بناء عليه الانفصاليون الذين تسللوا إلى القطاع الهندي من الوادي، في مايو.

رابع عشر: الحوار الهندي ـ الباكستاني

أعلنت الهند التزامها بإجراء حوار مباشر مع باكستان، مشددة في الوقت نفسه على أن النزاع بين الجانبين مسألة ثنائية يتعين على الدولتين الجارتين حلها بمفردهما، في حين دعا "نواز شريف" نيودلهي إلى الدخول فوراً في محادثات مع بلاده بدون شروط.

وفي المقابل، دعا رئيس الوزراء الباكستاني "نواز شريف" الهند للدخول فوراً في حوار مع بلاده لتسوية القضايا الخلافية بينهما بدون شروط.

خامس عشر: أسباب داخلية وراء التصعيد

ومن الجدير بالذكر بعد أن تناولنا مسيرة الأحداث في التصعيد بين الهند وباكستان حول إقليم كشمير وهو النزاع الخامس في مسيرة الصراع بين الدولتين، أن نوضح هذ1 التصعيد لم يكن بعيداً عما يحدث في داخل كل منهما، حيث يرى المراقبون أن الدوافع والأوضاع الداخلية في كلا البلدين كانت الأسباب المباشرة وراء هذا التصعيد الأخير الذي بدأ في9 مايو 1999 بين البلدين، والذي راح ضحيته العشرات من الجانبين.

1. الجانب الهندي:

أ. ففي الجانب الهندي نجد أن هناك حكومة هندوسية متطرفة، هي حكومة حزب بهاراتيا جناتا، والتي يرأسها "ايتاال بيهاري فاجباي"، وهي لا تحظى بأغلبية كبيرة في البرلمان، كما أنها حكومة متشددة لا تلقي استحساناً أو قبولاً من جانب القوى الدولية الكبرى، إذ أنها تبدي تشدداً وتعنتاً في القضايا الهامة مثل قضية الانضمام إلى معاهدتي حظر انتشار الأسلحة النووية، ومنع إجراء التجارب النووية، فضلاً عن قضية كشمير التي لا تقبل أن يتم تسويتها وفقاً لأحكام الأمم المتحدة، ووفقاً لما تم الاتفاق عليه من قبل. كما ترفض أي وساطة دولية، وتدعي أنها حكومة انتقالية لا يحق لها اتخاذ قرار مصيري وحاسم في مثل هذه القضايا الحيوية التي تمس أمن البلاد.

ب. يرى بعض المراقبين أنه كانت هناك محاولات من جانب الحكومة الهندية قبل وصول حزب بهارايتا جاناتا المتشدد للسلطة في الهند لتسوية قضية كشمير بشكل سلمي. ولكن هذه المساعي تجمدت عقب وصول هذه الحكومة المتشددة إلى السلطة.

ج. تعاني الحكومة الهندية الحالية من بعض المشكلات الاقتصادية في الداخل خاصة من جراء العقوبات التي فرضها المجتمع الدولي على الهند بعد إجرائها للتجارب النووية في مايو 1998، مما أثر على اقتصاد البلاد، ومن ثم على الخدمات الاجتماعية التي تقدمها الحكومة للمواطنين الهنود، الذين لا يزال الملايين منهم يفتقدون للخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه النظيفة والمسكن، ثم فرص العمل. ولاشك أن هذا الوضع المتردي يشكل ضغوطاً كبيرة على الحكومة الهندية الحالية.

د. هناك مشاكل سياسية معقدة، إذ أن حزب المؤتمر العريق يعاني من أزمة تمزق داخلي بعد انشقاق ثلاثة من أبرز قياداته وعزمهم على تأسيس حزب جديد، فضلاً عما أثير من جدل واسع حول استقالة "سونيا غاندي" من رئاسة الحزب بسبب جذورها الإيطالية.

هكذا نجد أن تردي الأوضاع الاقتصادية في الهند، بالإضافة إلى وجود توترات سياسية حادة سوف يؤدي إلى تحريك قوى معينة وقاعدة عريضة من المجتمع قد تنادي بحقوق اقتصادية وسياسية تعجز حكومة حزب بهاراتيا جاناتا عن الوفاء بها. وهو ما دفع تلك الأخيرة إلى إثارة موضوع كشمير مرة أخرى، تلك القضية وبهذه الدرجة من التصعيد من أجل صرف أنظار المواطنين في الداخل عن القضايا الداخلية وحشد التأييد الشعبي باتجاه قضية كشمير التي تعد قضية أمن وطني، خاصة مع احتمال التهديد بالحرب التي يمكن أن تستخدم فيها الأسلحة النووية والصواريخ متوسطة المدى. ومن ثم تسعى حكومة حزب بهاراتيا جاناتا القومية المتشددة إلى الحصول على أكبر قدر من التأييد الشعبي حول أزمتها الراهنة مع باكستان، حتى يتسنى لها كسب اكبر عدد ممكن من الأصوات في الانتخابات القادمة في سبتمبر 1999.

2. الجانب الباكستاني

أ. تواجه حكومة "نواز شريف" تحديات سياسية واقتصادية قوية، فعلى الصعيد الاقتصادي هناك تراجع في الأداء الاقتصادي الباكستاني، بسبب العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها من جانب الولايات المتحدة الأمريكية والدول الكبرى، بالإضافة إلى سباق التسلح مع الهند، خاصة في مجال الأسلحة النووية، والصواريخ البالستية متوسطة المدى وطويلة المدى، والتي تستنزف مواردها. ورغم ذلك فهي تعتبر أن إلحاق بالتفوق النوعي الهندي في مجال التسلح أمر مهم ويحتل أولوية قصوى مهما كلفها ذلك من أعباء، وأمام هذا التردي الاقتصادي، شرع رجال الأعمال الباكستانيون في تحويل وتهريب أموالهم إلى الخارج تحسباً لحدوث كساد أو أزمة اقتصادية طاحنة في البلاد، خاصة بعدما وصل احتياطي باكستان من العملات الأجنبية إلى بليون دولار فقط، مع توقع انخفاضه.

ب. على الصعيد السياسي، هناك معارضة سياسية قوية لحكومة "نواز شريف" تتمثل في الحركات الأصولية الإسلامية من جهة، وحزب الشعب الباكستاني بزعامة بينظير بوتو من ناحية أخرى.

وهكذا يتضح أن هناك عوامل داخلية لدى كل من الحكومتين الهندية والباكستانية تدفعهما نحو التصعيد في قضية كشمير، وتتمثل هذه العوامل في مشكلات اجتماعية واقتصادية وسياسية، ولكن يضاف إلى ذلك إصرار مواطني كشمير أنفسهم على عدم التفريط في حقهم في تقرير مصيرهم الذي ظلوا يجاهدون من أجله 54 عاماً مضت، وهو ما يتضح من تمسكهم بما استولوا عليه من أراضي في كشمير الهندية، رغم الغارات الجوية الهندية الكثيفة، والوجود العسكري الهندي الضخم.

ويبقى تساؤل مهم، هو إذا كان التصعيد الأخير الذي حدث في كشمير بين الهند وباكستان يرتبط ـ في الأساس ـ بعوامل داخلية، فهل يعني استمرار هذه العوامل بقاء الوضع في كشمير على ما هو عليه؟ خاصة وأن تحركات القيادتين في البلدين قد لاقت رواجاً كبيراً في الداخل، حيث طالبت المعارضة الباكستانية بتوجيه رد مناسب على الانتهاكات الهندية ضد الأبرياء في الشطر الباكستاني من كشمير. كما طالب كل من حزب الشعب الباكستاني وحزب الجماعة الإسلامية بإجراءات حاسمة اقتصادية ودبلوماسية وعسكرية ضد الهند. ولم يختلف الوضع كثيراً داخل الهند التي يجتمع الرأي العام فيها حول أهمية كشمير من الناحية الإستراتيجية بالنسبة للهند، ومن ثمن لا يمانع في دفع ثمن الاحتفاظ بهذا الإقليم المهم.

سادس عشر: مستقبل الصراع حول كشمير

إن المتأمل للصراع بين الهند وباكستان حول إقليم كشمير يلاحظ أنه يأخذ شكل بندول الساعة، أو ثورات البراكين، فهو يثور بعنف، ثم يخمد لفترة لكي يستأنف ثورته مرة أخرى بدرجة أكبر، وهكذا. وفي النزاع الأخير والتصعيد الذي أخذ شكل مرتفع حتى كاد أن يصل للحرب الشاملة بين البلدين، نجد أن الطرفين الهندي والباكستاني يتبعان إستراتيجية افتعال الأزمات الخارجية واستثارة الصراعات الخارجية هرباً من المشكلات الداخلية، كما يحرص كل منهما على التمسك بموقفه، وعدم التراجع عنه، فضلاً عن استعداده لتعبئة قواته واستخدام أعتى ما لديه من أسلحة في سبيل حسم الصراع لصالحه. لكنه مع ذلك يحرص على عدم تصعيد التوتر نحو مواجهة عسكرية شاملة، قد تقود الطرفين إلى مواجهة نووية، وذلك إدراكاً منهما لخطورة الموقف. كذلك فإن الطرفين يبديان استعدادهما لحل الصراع سلمياً، وان لم يتخذ الإجراءات الفعلية لتحقيق ذلك.

ويبدو من خلال هذا التصعيد، أن كلا الطرفين لا يرغب في تقديم أي تنازلات قد تساعد على تسوية الصراع بشكل سلمي، وعندما كان هذا التوتر الأخير يعود إلى أسباب داخلية بالأساس، فإن استمرار وبقاء هذه الأسباب قد يؤدي من شأنه إلى استمرار هذا التوتر، بل وتصاعده أيضاً.

ومن هنا، تأتي أهمية وجود طرف ثالث (الهند لا توافق على هذا الطرف) يلعب دور الوسيط النزيه، خاصة وأن طرفي الصراع قد لا يستطيعان مواصلة سياسة ضبط النفس، والتراجع في الوقت المناسب، ومع امتلاكهما للسلاح النووي، وغياب نظم فعالة للسيطرة على السلاح النووي لدى كل منهما، حيث تبرز أهمية وجود طرف ثالث أكثر قدرة على إدارة المواقف بحكمة وموضوعية، ويستطيع إقناع الطرفين الأول بتقديم تنازلات مناسبة تساعد على تسوية الصراع بشكل سلمي، وأن يكون لدى هذا الطرف أيضاً، القدرة على تغطية تنازلات الطرفين وتوظيفها بشكل رشيد. وهنا يتعين على الطرف الهندي الانصياع أمام إرادة المجتمع الدولي، والقبول بوجود دور لطرف ثالث يتسم بالرشادة والموضوعية حتى يتم تسوية الصراع حول كشمير بشكل سلمي، ولاشك أن الأمم المتحدة تعد من أفضل المرشحين للقيام بهذا الدور، خاصة إذا ما نجحت في فرض نظام دقيق للسيطرة على الأسلحة النووية، والصواريخ الإستراتيجية لدى الدولتين، فضلاً عن قدرتها على طرح حلول ومبادرات يمكن أن تؤدي إلى حل الصراع بين الهند وباكستان حول كشمير بشكل سلمي ونهائي لتجنيب منطقة جنوب آسيا، بل والعالم أجمع مخاطر كارثة إنسانية محققة.

 



[1] من المعروف أن لإقليم كشمير الهندي عاصمتين واحدة صيفية هي "مدينة سريناجار" والأخرى شتوية هي "مدينة جامو".