إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء


           



( تابع ) تقرير الجبهة الشعبية الديمقراطية لتحرير فلسطين حول حوادث الأردن وأوضاع حركة المقاومة
المصدر: " الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1970، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، مج 6، ص 974- 991 "

ثالثا- الدولة والثورة:
          لا نأتي بجديد إذا ذكرنا" أن الدولة أداة قهر طبقي بيد طبقة أو تحالف طبقي ضد طبقة أو تحالف طبقي". وهذه موضوعة تنطبق على واقع الدولة في البلدان المتخلفة كما تنطبق على واقع البلدان المتقدمة. كما أن هذه الموضوعة لا تعني ولا لدقيقة واحدة أن أجهزة الدولة (الجيش، الأمن العام، البوليس، الإدارة) في ظل حكم مضاد للثورة الوطنية الديمقراطية أوالثورة الاشتراكية، لا يمكن استمالة قطاعات منها إلى جانب الثورة، وخاصة بين القطاعات الدنيا والوسطى، فهذه ظاهرة معروفة تاريخيا. وهذا يعود إلى حجم ونفوذ حركة الثورة الوطنية أو الاشتراكية في المجتمع أولا وإلى طبيعة التركيب الطبقي لأجهزة الدولة ثانيا في هذا البلد أو ذاك.

          في الأردن استخدمت الرجعية الأردنية ( العرش، الإقطاع، الكومبرادور) والامبريالية أجهزة الدولة قبل عام 1948 لخدمة قهرها الطبقي الرجعي والامبريالي الذي جعل من الأردن مزرعة " لحفنة من أبناء العائلة المالكة التي فرضها الاستعمار البريطاني على البلاد وحفنة من كبار الإقطاعيين والملاك والرأسماليين "، وقلعة التآمر على حركة التحرر الوطني الأردنية والعربية، وفي ذات الوقت صمام أمن تاريخي للحركة الصهيونية ومخططات الانتداب البريطاني لتنفيذ عملية " تهويد فلسطين ". وبعد 1948 ووحدة الضفتين تابعت الرجعية الأردنية الفلسطينية المرتبطة بالامبريالية ذات النهج في توظيف أجهزة الدولة- خاصة الجيش والأمن العام- أداة قهر طبقية لصالح الثورة المضادة (الرجعية + الامبريالية + الصهيونية).

          إن نمو الحركة الوطنية والجماهيرية في البلاد فرض على الثالوث (الملكي- الرجعي- الامبريالي) سلسلة تنازلات لصالح الحركة الوطنية في 1956، كما أدى إلى نمو الموقف الوطني في وسط قطاعات قاعدية ومتوسطة (جنود، صغار ضباط) ساعدت في فرض التنازلات التي كانت بمثابة تراجع تكتيكي مؤقت في نظر الثورة المضادة، فتم تطهير الجيش الأردني من القيادات البريطانية وإلغاء المعاهدة البريطانية الأردنية، بعد سلسلة عمليات قمع متصلة للحركة الوطنية والجماهير حتى تلك اللحظات وبعد فشل إدخال الأردن في حلف بغداد (انتفاضة 1955 ضد تامبلر رسول حلف بغداد والامبريالية البريطانية). إلا أن هذا التراجع لم يغير شيئا من تركيب النظام الرجعي أو تركيب أجهزة الدولة، فسرعان ما نظم القصر بالاتفاق مع المخابرات المركزية الأميركية في نيسان (أبريل) 1957 الانقلاب الرجعي الشهير(4) لضرب الحركة الوطنية وتطهير الجيش من الوطنيين وتثبيت غلاة الرجعيين والعملاء على رأس القيادات الأساسية العليا، ليتم للقصر والرجعية والامبريالية فرض الدكتاتورية الفردية السوداء على البلاد، وتحويل البلاد من جديد إلى قلعة تخدم أهداف الثورة المضادة. وبقيت أجهزة إلى دولة حتى عام 1970 تتعرض لعمليات تطهير متصلة للعناصر الوطنية، لتلعب دورها كاملا في عمليات القمع والإرهاب المتصلة، وتشن حملات "الإبادة والتطويق" المتتالية على حركة المقاومة والقوى الوطنية في الساحة الأردنية الفلسطينية، وضرب الجماهير بالمدفعية والدبابات العمياء لإرهاب الشعب وإركاعه أمام هجمات الثورة المضادة.

          إن حملة أيلول (سبتمبر) أكدت " تماسك " أجهزة الدولة (الجيش، البوليس، الإدارة) كأداة في يد الامبريالية والرجعية الملكية، ورغم قصف عمان والزرقاء بمختلف الأسلحة طيلة عشرة أيام، فإن الانحيازات التي تمت للثورة كانت ذات طابع فردي ومحدود، وفاقت أسوأ الاحتمالات المتوقعة في صفوف المقاومة (5).

          وفي صفوف الأمن العام كان الطابع القاعدي الغالب هو الحياد بين المقاومة والجيش عكس الوضع في الإطارات العليا المرتبطة بالنظام، وفي المناطق التي احتلتها القوات المسلحة باتت أمام أمر واقع وأخذت تقوم بالمهمات الرجعية المطروحة عليها (التفتيش، الاعتقالات، التعذيب، إلخ.) لفرض أجواء بوليسية إرهابية على هذه المناطق.

          أما الجهاز الإداري، فقاعديا لامجال لاختبار موقفه بفعل الحرب الناشئة وتعطله عن العمل اليومي (6) بينما الإطارات القيادية (الوزراء، كبار الموظفين، السفراء) وهم ذوو تكوين يميني ورجعي فقد حافظت على ولائها للرجعية الملكية، وهي في هذا منسجمة مع واقعها الطبقي والأيديولوجي (7).

          إن حملة أيلول (سبتمبر) أعطت بشكل صارم، لوحة دقيقة عن تركيب الجيش والأيديولوجية اليمينية الرجعية السائدة في صفوفه.
          1 - الجيش الأردني " مؤسسة محترفة " والعلاقات الداخلية التي تحكمها (الأيديولوجية والمادية) هي علاقات رب العمل بالعامل. وقد عملت الرجعية الملكية على عزل الجيش- بكل طاقة وأساليب ممكنة- عن التيارات الأيديولوجية والسياسية، وطنيا وتقدميا. فالثقافة الوطنية ممنوعة، والانتماء الوطني السياسي ممنوع، والعناصر الوطنية داخل الجيش موضع ملاحقة وتطهير دائمين. وبالمقابل فالثقافة الرجعية التي تضع الملك موضع رب العمل هي السائدة، وليس رب عمل فقط بل رب عمل تحوم حوله هالة من التأليه طبقا لنظرية "حق الملوك الإلهي " في الحكم والسيطرة على البلاد والأفراد، كل هذا في غلاف ديني بنسبة العائلة المالكة

<10>