إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء


           



( تابع ) تقرير الجبهة الشعبية الديمقراطية لتحرير فلسطين حول حوادث الأردن وأوضاع حركة المقاومة
المصدر: " الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1970، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، مج 6، ص 974- 991 "

الثقافة السياسية الوطنية،وكون المدن والمخيمات موطن الحركة الوطنية تاريخيا وحيث انتشار الثقافة والتنظيمات الوطنية والنقابية والمهنية للطبقة العاملة والطبقة البورجوازية الصغيرة (محامين، مهندسين، معلمين، أطباء، حرفيين، صغار التجار) فإن المدن والمخيمات، شكلت الغابات البشرية الواقية لحركة المقاومة، كما أن نهوض حركة المقاومة والنهوض الجماهيري الوطني والعمالي المتعاطف مع المقاومة والمعادي للامبريالية والصهيونية والرأسمالية المستغلة ( المحلية ) وبالمقابل تلمس ضعف واهتراء الرجعية دفع بجماهير المدن، العمالية والفقيرة والبورجوازية الصغيرة وقطاع من البورجوازية المتوسطة، إلى التعاطف مع المقاومة بوجه النظام الرجعي المعادي لطموحاتها الوطنية والديمقراطية (معاداة الاستعمار والصهيونية، ورفض هيمنة شبه الإقطاع وكبار الملاك والكومبرادور على حياة البلاد الاقتصادية والسياسية وربط البلاد بعجلة الامبريالية، العمل على تحديث الدولة وبناء اقتصاد وطني، الديمقراطية السياسية البورجوازية).

          جـ - كما أكدت التجربة أن وضع القرى مختلف إلى حد كبير جدا عن وضع المدن ودورها في حياة الحركة الوطنية والمقاومة بفعل عوامل تاريخية واقتصادية وعوامل لها علاقة بسياسة حركة المقاومة.

          تاريخيا: بقيت الحركة الوطنية بعيدة عن الامتداد الثقافي والسياسي والديمقراطي إلى القرى فقد انحسرت الحركة الوطنية في المدن والمخيمات بفعل برنامجها الوطني العام ضد الامبريالية والصهيونية والرجعية وغياب البرنامج الديمقراطي عن الريف ( المسألة الزراعية، الصراع ضد الإقطاع وكبار ملاك الأراضي والرأسمالية الزراعية، والصراع ضد علاقات الإنتاج الإقطاعية والرأسمالية في الريف، إدخال الآلة والتعليم، إلخ )، فقد ظل برنامج الحركة الوطنية طيلة العشرين عاما الماضية مقتصرا على المواقف الوطنية العامة وبعض النضالات العمالية المطلبية رغم كثرة الشعارات " الاشتراكية "، وبهذا بقي الريف بعيدا عن الارتباط العضوي الفعال بالحركة الوطنية في الأردن.

          اقتصاديا: في ظل التخلف العام في الريف (سيادة وسائل الإنتاج البدائية) وشحة الإنتاج الزراعي (وسائل إنتاج بدائية، اعتماد مواسم المطر وتكاد تكون دورة الحياة الزراعية في الضفة الشرقية سنة ماطرة وثلاثا جافة) بالإضافة إلى الاستغلال الطبقي في الريف، فإن الحياة الاقتصادية للقرى الأردنية تعتمد في معظمها على أجهزة الدولة وخطط الرجعية الحاكمة. فإن 50 بالمئة من دخل القرية يأتي من المنخرطين في صفوف أجهزة الدولة وخاصة الجيش الذي يعتبر مورد الرزق وميدان التوظيف الواسع لأبناء القرى بالإضافة إلى البدو. كما أن سوء المواسم الزراعية يجعل القرية تحت رحمة "حسنات " النظام الذي يعتمد سياسة الإنفاق غير المنتج على القرى- خدمات ومساعدات- بدون أية مشاريع للتنمية الزراعية واستصلاح الأراضي، إلخ. وهنا نلاحظ أن اعتماد القرية الأردنية على " الجيش وصدقات النظام" تزداد نسبتها كلما اتجهنا من الشمال إلى الجنوب حيث تتراوح بين 60 - 90 بالمئة، ويبقى دون الثلث من حجم دخل القرية يعتمد على الزراعة.

          سياسة المقاومة : التي اعتمدت في تعاملها مع القرى على تقديم بعض المخيمات الطبية والاجتماعية والتعامل الاقتصادي البسيط مع القرية ( شراء بعض حاجات القواعد المجاورة، وغياب أي برنامج ديمقراطي في ممارسات المقاومة بالريف). ومن هنا بقيت القرية الأردنية بعيدة عن تلمس المصلحة الطبقية (المسألة الزراعية وحل مشكلة الفلاح الاقتصادية) في الثورة. كما أن بقاء القرية الأردنية بعيدة عن الاحتلال الصهيوني أفقدها تلمس المصلحة الوطنية في الثورة من حيث الدفاع عن أرض الوطن وأرض الفلاح.

          هذا كله عكس نفسه على علاقة القرية بالنظام الرجعي فظلت ترى مصلحتها الاقتصادية مرتبطة بالدولة القائمة، ولا تتلمس مصلحة طبقية بالارتباط بالمقاومة لغياب البرنامج الديمقراطي في مهمات المقاومة بالريف. كما أنها لا تتلمس مصلحة وطنية بالدفاع عن أرض الوطن، فبقيت علاقتها مع المقاومة عاطفية عامة. كما أن السياسة الإقليمية البارزة للمقاومة واستغلال النظام أيضا لهذه النزعة دفع بالقرية، بشكل عام، إلى الارتماء في حضن عدوها الطبقي والوطني (الرجعي الامبريالي) وخاضت المعركة بجانبه أو ظلت محايدة عندما شن النظام حملة أيلول (سبتمبر) البربرية لتطويق وإبادة المقاومة.

          ومن هنا، ولهذه العوامل مجتمعة، نشهد في الحالة الراهنة ردة رجعية واسعة في الريف ضد الثورة، تتسع كلما اتجهنا من الشمال إلى الجنوب.

          إن قيمة ودور الريف في حرب الشعب الوطنية ضد العدو الصهيوني أو هجمات الرجعية لإبادة المقاومة وفرض الحلول الاستسلامية على الشعب والدكتاتورية الرجعية السوداء على البلاد لا تأتي من حجم السكان بالقياس للمدن، بل من طبيعة وحجم دوره في العملية الوطنية سواء باحتضان حركة المقاومة أو معاداتها ودور أبناء الريف في الجيش بالوقوف مع المقاومة والحركة الوطنية أو تنفيذ عمليات القمع والحرب الأهلية ضد الثورة والشعب، وهنا خطورة المسألة، خاصة إذا لاحظنا الثقل الكمي لأبناء الريف الأردني في الجيش.

<9>