إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء


           



إنجلترا تفاوض مصر
تابع (1) تقرير اللجنة الخصوصية المنتدبة لمصر (لجنة ملنر)

"وزارة الخارجية المصرية، القضية المصرية 1882 - 1954، المطبعة الأميرية بالقاهرة، ص 33 - 92"

        فقدت مصر بوفاة السلطان حسين سنة 1919 حاكما مقتدرا وكريم الأخلاق يعرف أهل وطنه حق المعرفة. وكان قد قبل أن يكون سلطان مصر الأول مع علمه بثقل أعباء هذا المنصب واشترك بشجاعة وإخلاص فى تحمل المشقات التى يقتضيها تدبير أمور بلاد إسلامية تحتلها دولة مسيحية محاربة لسلطان هو خليفة المسلمين وعاش حتى تغلب على نفور الناس منه بسبب حلوله محل ابن أخيه وحاز احترامهم وإكرامهم له على اختلاف طبقاتهم. أما خلفه الذى تعلم وتهذب فى إيطاليا فوجد نفسه من بادئ الأمر فى مركز أضعف كثيرا من مركز سلفه فى عيون شعبه ولم يكن له عليهم يد إذ ذاك فمهما قصد وسعى وجدَ لم يكن يستطيع سد السيل الذى كان يطفو ويتعالى ضد الإنجليز.

           ثالثا- بعد الحرب:

        حاولنا فيما تقدم وصف حالة مصر الداخلية الى آخر الحرب فسهل الآن علينا أن ندرك كيف أن المبادئ التى جاهر بها الرئيس ولسن ووافق الحلفاء عليها أثرت تأثيرا سريعا قاطعا فى الرأى المصرى. فقد ظهر أن قبول الدول لفكرة تعيين الأمم مصيرها جاء مصدقا لعواطف تختمر فى صدور الطبقات المتعلمة منذ زمن طويل.

        فالذين كانوا ينتظرون فى مصر نصراً ألمانيا عثمانيا ويرحبون به فيما مضى وجدوا الآن فرصة سانحة لتغيير موقفهم، فقاموا يدعون أن مصر بمساعدتها الحلفاء أدبيا وماديا على نيل النصر كانت هي نفسها آلة فعالة فى خلع البقية الباقية من النير العثمانى.

        والمعتدلون فى مصر قاموا يقولون إن الوقت قد حان للمطالبة بحكم ذاتى طبقا لما صرح به الساسة البريطانيون مرارا من أن تدخلنا فى مصر وقتى وشعر الناس شعورا صادقا بأن سلوك البلاد عامة فى الحرب ومعاونة السلطان ووزرائه والبذل الكثير الذى دعيت الأمة إليه فَلَبَّتْهُ تعطيهم حقا فى مراعاة بريطانيا العظمى لهم مراعاة خصوصية حتى أن رشدى باشا كبير الوزراء كان قد فتح فى آخر سنة 1917 مسألة تسوية العلاقات بين بريطانيا العظمى ومصر تسوية نهائية.

        ونشطت هذه الحركة واشتدت عزيمة أهلها بنشر التصريح الإنجليزى الفرنسوى فى أوائل نوفمبر سنة 1918 عن سورية والعراق. فقد جاء فيه أن بريطانيا العظمى وفرنسا تنويان تحرير الشعوب التى أنقذت من الظلم العثمانى تحريرا تاما، وأن تنشئ لهم حكومات وطنية تستمد سلطتها من السنن التى يسنونها من تلقاء أنفسهم ومطلق اختيارهم، فأبان المعتمد السامى حينئذ (السرر يجنلد ونجت) أن هذه السياسة سيكون لها صدى فى مصر. وزد على هذا أن المصريين كانوا قد شاهدوا قبل ذلك بقليل إنشاء مملكة مستقلة فى بلاد العرب التى لا يزالون يعدونها متأخرة بمراحل فى الحضارة والارتقاء عن بلادهم التى تضارع بلاد الغربيين بعض المضارعة.
<17>