إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء


           



إنجلترا تفاوض مصر
تابع (1) تقرير اللجنة الخصوصية المنتدبة لمصر (لجنة ملنر)

"وزارة الخارجية المصرية، القضية المصرية 1882 - 1954، المطبعة الأميرية بالقاهرة، ص 33 - 92"

        وبينما كان الناس يتحدثون بهذه الأمور في كل مكان ثار ثائر الرأي العام إثر إذاعة مذكرة سرية أوّلت بأنها تنكر على مصر مزايا الحكم الذاتي الذي يراد منحه لأمم دون الأمة المصرية ارتقاء. وذلك أن لجنة خصوصية كانت قد عينت في أوائل سنة 1918 للبحث في الإصلاح الدستوري فطلبت من السير وليم برنيات نائب المستشار المالي أن يضع مذكرة تكون قاعدة لمناقشتها، وأن يفحص على الخصوص مبدأ منح النزلاء الأجانب قسطا في تشريع البلاد لعل ذلك يغري الدول بالتنازل عما يحق لها بموجب الامتيازات الأجنبية من المفاوضة في كثير من ذلك التشريع، فلما قدمت مذكرة السير وليم برنيات إلى رئيس الوزارة في أواسط نوفمبر سنة 1918 ساءته كثيرا، ثم ذاعت واشتهرت مع أن المقصود كان جعلها قاعدة لمناقشات سرية، فقامت القيامة وعلا الاحتجاج على مشروع فسر بأنه يمنح الجمعية التشريعية سلطة استشارية فقط ويعهد في السلطة التشريعية كلها إلى مجلس ثان (مجلس شيوخ) تكون فيه الأكثرية من الأعضاء الذين تعينهم الحكومة وبعض الأعضاء الأجانب المنتخبين.

        وفى الوقت الذي عينت فيه اللجنة المذكورة آنفا كانت لجنة أخرى تدرس مسألة الإصلاحات القضائية اللازمة فيما إذا ألغيت الامتيازات الأجنبية، وقد قضت في ذلك أشهرا كثيرة ولم تصدر تقريرا ولكن شاع أنها تنوي استبدال المحاكم المختلطة بمحاكم جديدة تكون لغتها الإنجليزية ويكون القانون الإنجليزي هو المعمول به فيها. وفي ذلك ما فيه من الغبن والحيف على المحامين من أبناء البلاد وشل أيدي المحامين الأجانب الذين يترافعون بالفرنسية وكان من شأن هذه الإشاعة أنها زادت معاداة المحامين لتوسيع المراقبة الإنجليزية.

        وفى 13 نوفمبر سنة 1918 زار زغلول باشا وزعيمان آخران من زعماء الفريق المتقدم في الحركة الوطنية المعتمد البريطاني السامي وأعربوا له عن رغبتهم في السفر إلى لندن لعرض بيان "بالاستقلال الذاتي التام" لمصر، وعرض رشدي باشا في الوقت عينه أن يسافر هو وعدلي باشا يكن وزير المعارف إلى لندن للمناقشة في شؤون مصر، وقال إن السلطان موافق على ذلك تمام الموافقة، وكانت حجة هذين الوزيرين أن مؤتمر الصلح سيوافق على الحماية رسميا، وعليه لا يمكن ترك ماهيتها وكنهها بلا تعريف وتحديد. فقد كان لمصر تحت السيادة العثمانية حقوق معلومة، وهما يريدان أن يعلما ما هي حقوقها على بريطانيا العظمى تحت حمايتها.

        فأبلغ السير ريجنلد ونجت وزارة الخارجية مطالبها، فجاءه الجواب بأن "لا فائدة من السماح لزعماء الحركة الوطنية بالمجيء إلى لندن، وأما زيارة الوزيرين فليست مناسبة الآن. وأبان وزير الخارجية البريطانية السبب في ذلك، وهو أنه سيغيب هو وزملاؤه عن لندن بسبب مؤتمر الصلح، ولذلك "لا يستطيعون أن يعطوا الوقت الكافي والعناية الواجبة لمسائل الإصلاح الداخلي المصري" وعليه طلب من الوزيرين أن يؤجلا زياراتهما، فأفهم رشدي باشا المعتمد السامي أنه يعد رفض حكومة جلالة الملك لسماع أقواله حالا تفسيرا لمعنى الحماية لا يوافق عليه ولذلك قدّم استعفاءه. ولا ريب أنه كانت هناك موانع واضحة تمنع من البحث مع الوزراء المصريين في مسائل كهذه
<18>