الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة    

المقالة السابعــة
بعنوان

الصداقة مؤقتة ... والعداوة مؤقتة ... والمصالح دائمة

نُشرت في جريدة "الحياة"
السبت، 18/1/1418هـ الموافق 24/5/1997م


بسم الله الرحمن الرحيم

تناول كثير من الأقلام في عالمنا العربي موضوع التحالف التركي ـ الإسرائيلي بحساسية وانفعال شديديْن، فأسهبوا في الحديث عنه، وصبوا جام غضبهم على تركيا بسبب خيانتها للعرب ووقوفها في صف إسرائيل ، متناسين صداقتها ومواقفها الإيجابية تجاه العرب والمسلمين، كأنه قد فُرض على تركيا ، نظراً إلى صداقتها لنا، أن تظل قابضة على هذه الصداقة، مهما حدث لها، وألاّ تبحث عن مصالحها أو تسأل عما جنته من هذه الصداقة! ولكن، من العدل، قبل أن نلوم تركيا أو نعاتبها أن نسأل أنفسنا: ماذا فعلنا ـ نحن العرب ـ لتغذية هذه الصداقة وتعميقها وتحويلها من صداقة مؤقتة إلى مصالح متبادلة دائمة؟

بدايةً، يجب أن أعترف أن موضوع "تركيا وإسرائيل والعالم العربي" محاط بالأشواك، والخوض فيه كالسير في حقول ألغام كثيفة على غير هدى ومن دون خرائط. فالحديث لن يرضي أي طرف من الأطراف، خاصة إذا تحدثنا بصراحة، وحلّلنا بموضوعية.

كما أعترف أيضا بقدرة إسرائيل وتفوقها في جعل العرب يرقصون على إيقاعات من تأليفها، وتسحبهم إلى الاهتمام بالاتجاهات الثانوية، تطبيقاً لسياسة الاقتراب غير المباشر التي تعتنقها وتنفذها بدقة، وتجعلهم ـ أي العرب ـ في حالة دائمة من "رد الفعل"، الذي يبدأ بالغضب والصياح، والاستنكار والإدانة، ثم الهدوء والاستكانة.

ولنضرب على ذلك مثالاً قريباً: فعلى أثر تعثر مفاوضات السلام نتيجة لبدء العمل في مستوطنة جبل أبو غنيم، بدأت إسرائيل في إعادة الإعلان والترويج للاتفاقيات العسكرية بينها وبين تركيا ، والمناورات البحرية المنتظرة، والتحالف الإستراتيجي، ومشروعات الصناعات العسكرية. فكانت النتيجة أن احتلت القدس المرتبة الثانية من اهتماماتنا اليومية، وتحولنا إلى الاتجاه الثانوي الذي جذبتنا إليه إسرائيل متناسين الاتجاه الرئيسي الأهم، وهو ما يقوم به إريل شارون من تغيير الواقع على الأرض، وتغيير البنية الأساسية وديموجرافية الدولة.

سأحاول في هذا المقال طرح وجهة نظر شخصية من خلال الإجابة عن أسئلة محددة، تدور حول موضوع: "تركيا والعالم العربي":

  1. ألم يكن لتركيا مواقف إيجابية تجاه العرب، علينا أن نتذكرها ونحن نُقَيِّم علاقتها بنا؟
  2. ما هي حقائق الاتفاق التركي ـ الإسرائيلي؟
  3. ألا يحق لنا ـ نحن العرب ـ أن نقلق من وجود مثل هذا الاتفاقية؟
  4. هل ما اتّبعناه في إدارة هذه الأزمة هو الأسلوب الصحيح لإدارة الأزمات؟
  5. ألم يكن لتركيا علاقات ومواقف إزاء إسرائيل منذ نشأتها، ولم نعترض على ذلك؟
  6. ألا يحق لتركيا أن تبحث عن مصالحها الوطنية في المقام الأول؟
  7. ما الذي يجب علينا أن نفعله حتى لا نخسر تركيا فتتحول عن صداقتها للعرب ومؤازرتها لهم، وتنجح إسرائيل في جولة أخرى ضدنا؟
  8. متى نتعلم أن الصداقة مؤقتة، والعداوة مؤقتة، والمصالح المتبادلة المتوازنة هي الدائمة؟

ولنبدأ بالسؤال الأول: أليس لتركيا مواقف إيجابية تجاه العرب، علينا أن نتذكرها ونحن نُقَـيِّم علاقتها بنا؟

نعم، لتركيا مواقف إيجابية عديدة نذكر منها، على سبيل المثال، ما يلي:

أولاً: في نوفمبر 1947، عارضت تركيا مشروع تقسيم فلسطين، وصوتت ضد الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، ووقفت، آنذاك،  مع العدد القليل من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة المعارضة لهذا القرار.

ثانياً: في عام 1956، ورداً على الغزو الإسرائيلي لشبه جزيرة سيناء، شجبت تركيا إسرائيل باعتبارها "الخطر الأكبر على السلام والهدوء في الشرق الأوسط"، وسحبت سفيرها من تل أبيب وخفضت التمثيل الدبلوماسي في إسرائيل إلى رتبة مندوبية.

ثالثاً: قبل حرب يونيه 1967، رفضت تركيا الانضمام إلى مجموعة "الدول البحرية" التي كانت تطالب مصر بإعادة فتح خليج العقبة في وجه السفن الإسرائيلية. وبعد الحرب، أعلنت تركيا رفضها ضم إسرائيل الأراضي العربية التي احتلتها، وأيّدت قرار مجلس الأمن الرقم 242.

رابعاً: في نوفمبر 1975، أيدت تركيا قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي يعتبر الصهيونية شكلاً من أشكال العنصرية. واعترفت، في يناير من العام نفسه، بمنظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها الممثل الوحيد للفلسطينيين. وسمحت لها، في أكتوبر 1979، بأن تفتح مكتباً في العاصمة أنقرة. وفي منتصف عام 1980، احتجت الحكومة التركية بشدة على ضم إسرائيل القدس المحتلة، وسحبت القائم بأعمالها في تل أبيب. كما أدانت تركيا قصف إسرائيل المفاعل النووي العراقي في يونيه 1981، ولم تعترف بقرار إسرائيل ضم الجولان في ديسمبر 1981.

خامساً: اعترفت تركيا اعترافاً كاملاً بالدولة الفلسطينية، في اليوم الأول لإعلانها من الجزائر عام 1988. كما  امتنعت عن التصويت على إلغاء قرار الأمم المتحدة باعتبار الصهيونية حركة عنصرية.

سادساً: عند وقوع الغزو العراقي لدولة الكويت سارعت الحكومة التركية إلى إدانته حال حدوثه، وطالبت بسحب القوات العراقية فوراً من الكويت وعودة الشرعية إليها. وأغلقت خط الأنابيب العراقي، وأوقفت العلاقات التجارية مع العراق وشاركت في تطبيق قرار مجلس الأمن الرقم (665) الخاص بفرض الحصار بالقوة، وسمحت للولايات المتحدة باستخدام قاعدة انجرليك الجوية أثناء عمليات "عاصفة الصحراء". وبعد الحرب، أبدت تركيا استعدادها للتعاون الاقتصادي مع دول الخليج، وقدمت أفكاراً بنّاءة حول "أمن الخليج"، ودعت إلى حل المشكلات السياسية كافة في المنطقة.

سابعاً: وفي العاشر من أبريل 1997، ربط رئيس الوزراء التركي، نجم الدين أربكان، تَحَسّن علاقات بلاده بإسرائيل بشروط ثلاثة: الأول، أن تعترف بالقدس مدينة مقدسة لكل الشعوب، للمسلمين مثلما هي للمسيحيين واليهود. والثاني، إيقاف بناء المستوطنات. والثالث، الانسحاب من الأراضي المحتلة بما يتفق وقرارات الأمم المتحدة.

بعد أن استعرضنا المواقف الإيجابية لتركيا تجاه العرب، علينا أن نتعرف بحقائق الاتفاق التركي ـ الإسرائيلي.

يبدو، على الرغم من مضي أكثر من عام ونصف العام على بدء الحديث عن الاتفاقيات العسكرية والاقتصادية بين إسرائيل وتركيا، أن أحداً لا يعلم حقيقة اسم هذه الاتفاقيات أو محتواها على وجه التحديد، خاصة في المجال العسكري. والمعلومات ـ على قلّتها ـ تصل إلينا تدريجياً، قطعة قطعة، بوسائل متعددة، وأساليب مختلفة، وأحياناً متضاربة: تؤيد وترفض، تضخم وتهوّن، تجاهر وتصمت. ويُلاحظ أنه بينما تُضخم إسرائيل أهمية الاتفاقيات، لأغراض في نفسها، تُقلّل تركيا هذه الأهمية تهدئة للعرب والمسلمين ومراعاة لمشاعرهم.

ولكن من واقع الأقوال والبيانات، والتصريحات والمقابلات، يمكن إجمال نقاط الاتفاقية (أو الاتفاقيات)، أيّاً كان نوعها أو اسمها، حتى الآن في الآتـي:

في مجال القوات الجويـة:

  1. السماح للقوات الجوية لكلا البلديْن بإجراء تدريبات في المجال الجوي للدولة الأخرى، منفردة أو مشتركة.
  2. تبادل المعلومات والخبرات في مجال التدريب العسكري للقوات الجوية.
  3. السماح للطائرات الإسرائيلية باستخدام القواعد الجوية التركية، على الأخص في قونيا وقاعدة انجرليك.
  4. تحديث إسرائيل (54) طائرة حربية تركية من طرازF-4  بنفقات تقدر بحوالي (635) مليوناً من الدولارات.

وفي مجال القوات البحريـة:

  1. زيارات متبادلة للقطع البحرية للدولتيْن.
  2. القيام بدوريات بحرية مشتركــــة.
  3. تنفيذ مناورات بحرية مشتركة سنوياً، قد تشترك فيها وحدات بحرية أمريكية.

وفي مجال القوات البريـة: تنفيذ مناورات بريـــــــة مشتركة.

وفي مجال الاستخبارات:

  1. تبادل المعلومات والخبرات.
  2. تبادل الوفود العسكرية لمراقبة المناورات التي تجريها كل دولة على حدة.
  3. الاستخدام المتبادل للأفلام العسكرية الوثائقية لكل دولة، والتعاون التام بين استوديوهات الأفلام والصور والوثائق العسكرية.
  4. بناء شبكة إلكترونية متطورة تسمح بالتجسس ورصد التحركات والاستعدادات العسكرية على طول الحدود التركية مع كل من سورية والعراق وإيران
  5. وضع معلومات وصور الأقمار الصناعية الإسرائيلية وأجهزة التجسس الإلكترونية تحت تصرف الجيش التركي، في مواجهته الأمنية مع متمردي "حزب العمل الكردستاني".
  6. تبادل المعلومات في الميادين العسكرية والاجتماعية والثقافية، والتعاون في مجالات التاريخ والمتاحف وحفظ الملفات العسكرية.

وفي مجال التدريب والتأهيل:

  1. تعاون وتنسيق كاملان في تخطيط التدريب والتأهيل العسكري.
  2. تبادل المعلومات والتجارب في ميدان التدريب العسكري.
  3. زيارات متبادلة بين المنشآت التعليمية في البلديْن، وبين المجموعات العسكرية في مجالَي الرياضة والفن.

بعد أن ذكرنا المعلومات المتيسرة عن البنود الرئيسية للاتفاق أو الاتفاقيات، ننتقل إلى السؤال التالـــي: ألا يحق لنا ـ نحن العرب ـ أن نقلق من وجود مثل هذا الاتفاق؟

إننا نتوجه بهذا السؤال ـ بدايةً ـ إلى الإخوة في تركيا لعلمهم بحقائق وخفايا ما تم الاتفاق عليه. إن ما أُعلن ، حتى الآن، يُلقي بمزيد من الشك والريبة على أهداف هذه الاتفاقية أو الاتفاقيات.

* فقد صرح الرئيس الإسرائيلي، عيزر وايزمان، عند زيارته أنقرة قائلاً: "إن الاتفاق يمثل حركة كماشة حول سورية لدفعها إلى التسوية السلمية مع كل من إسرائيل وتركيا". وفي السابع من شهر أبريل 1996، تحدث مدير معهد الدراسات الإستراتيجية، في تل أبيب مارتن كرامر، عن موقف إسرائيل من احتلال إريتريا لجزيرة "حنيش الكبرى"، وعن الاتفاق الذي تم بين تل أبيب وأنقرة، قائلاً: "إن نشر طائرات إسرائيلية شرق تركيا وانتزاع جزيرة حنيش من اليمن يندرجان في إطار إستراتيجية إقليمية وقائية تنفذها إسرائيل ، لمواجهة التهديدات المحتملة". أمّا في 26/4/1997، فقد اعتبر وزير الدفاع الإسرائيلي، إسحاق موردخاي، أن التعاون العسكري بين إسرائيل وتركيا يمكن أن يكون بمثابة "قوة ردع" لمواجهة أي هجوم "قد تفكر في شنه دولة مثل إيران أو العراق أو سورية". وفي أوائل شهر مايو الحالي، شددت الصحف التركية على أن المناورات المتوقعة جزء من استعدادات تُمكّن الدول الثلاث ـ تركيا وإسرائيل والولايات المتحدة ـ من الرد السريع، في إطار التحالف الإستراتيجي بينها على أي تهديد إيراني أو سوري أو لمواجهة أي أزمة محتملة في منطقة الخليج.

إن أي مبتدئ في العسكرية أو الإستراتيجية يستطيع أن يدرك بسهولة أنّ هذه الإجراءات المتفق عليها بين الدولتيْن تحقق الكثير لإسرائيل وتضرّ بالمصالح العربية، وذلك في ضوء الحقائق التالية:

  1. إن استخدام إسرائيل للقواعد الجوية التركية يعطيها ميزات في المدى لا تحلم بها، إذ يجعل منابع النفط في المنطقة وخطوط مواصلات نقله إلى الخارج في متناول الذراع الطويلة لإسرائيل .
  2. إن السماح للطيران الإسرائيلي باختراق المجال الجوي التركي، يعني إحكام قبضة إسرائيل على سورية براً وبحراً وجواً. ومن ثَم، فالاتفاقية تُعدّ بمثابة ورقة ضغط في يد إسرائيل، خاصة عند التفاوض حول الترتيبات النهائية للوضع في الجولان.
  3. تحقق الاتفاقية هدف إسرائيل في تشكيل نظام أمني في المنطقة يرتكز على تفوقها المطلق، مستفيدة من الدعم العسكري والتعاون الإستراتيجي مع الولايات المتحدة، والتعاون مع دول الجوار الجغرافي وفي مقدمتها تركيا.
  4. إن هذه الاتفاقية، من خلال العمق الذي سُمِح للقوات الجوية الإسرائيلية بالوصول إليه، تفتح الباب على مصراعيه لقصف العراق وإيران وسورية، واستطلاع الأوضاع العسكرية فيها.
  5. إن سماح تركيا للطائرات الإسرائيلية بالتدريب في مجالها الجوي وفتح جبهة أخرى أمام سورية في الشمال، هو نوع من الضغط التركي على سورية لإجبارها على التخلي عن دعمها لحزب العمال الكردستاني، كما أنه يُمَكِّن تركيا من ممارسة لون من الضغط أيضاً على السوريين والعراقيين ليخضعوا لاتفاقيات تقسيم المياه.

إذاً، فللعرب كل الحق في القلق عندما يرون ما تحققه إسرائيل من ميزات تكتيكية وإستراتيجية. ولكن علينا أن نتساءل: هل ما اتّبعناه في إدارة هذه الأزمة هو الأسلوب الصحيح لإدارة الأزمات؟

تنقص السياسة العربية، عادة، الديناميكية والتطور والتعامل مع المتغيرات المتسارعة على أرض الواقع، إذ تنام على ثوابت معينة لا تلبث أن تفيق على تغيرها. فمثلاً، أَمِنَت الدول العربية، في الماضي القريب، جانب إريتريا واعتبرت أنها ستظل صديقة وفية بعد الاستقلال كما كانت قبله، وأنها لن تنسى ما فعله العرب تجاهها. وظلت الدول العربية مُخدّرة بهذا الافتراض الحالم حتى أفاقت يوماً على احتلال إريتريا جزيرة حنيش الكبرى اليمنية، بمساعدة إسرائيلية واضحة للعيان. وبالمثل، وضع العرب في حسبانهم أن تركيا ستظل إلى الأبد في صَـفّهم، وسترضى منهم بالقليل. ولم يشعر العرب إلاّ بتراجع العلاقات التركية ـ العربية نوعاً ما في الآونة الأخيرة، وبدء استغلال البديل الإسرائيلي، الجاهز دائماً، لهذه الغفلة خير استغلال، ومارس ذكاءه بكل اقتدار لإبعاد تركيا عن الدول العربية والإسلامية، وإظهار تركيا كأنها وإسرائيل في خندق واحد. وللأسف الشديد، فإن العرب عندما يواجَهون بأي أزمة يفترضون المثالية والصدق في تصرفات الآخرين، خاصة الأطراف غير المباشرة، وأن العالم كله سيقف إلى جانب العدل والحق والمُثل العليا. ولكن آن الأوان لندرك أن مثل هذه الشعارات لها معانٍ مختلفة تتلون حسب وجهات النظر الخاصة بكل مصلحة من المصالح.

لقد واجه العرب أزمة "الاتفاقيات العسكرية التركية ـ الإسرائيلية"، وهي أزمة بكل المقاييس، فكيف أداروا هذه الأزمة؟ وهل نجحوا في إدارتها إدارة علمية صحيحة؟ لقد كانت ردود الأفعال كالآتي:

  • أعرب بعض القادة عن قلقهم إزاء الاتفاقية وطالبوا تركيا بإعادة النظر فيها.
  • واعتبر المؤتمر البرلماني العربي أن الاتفاقية خروجٌ على قرارات منظمة المؤتمر الإسلامي.
  • ووصف بعض الصحف الاتفاقية بأنها تضر بمصالح العرب والدول الإسلامية، وأنها عنصر جديد للتوتر وعدم الاستقرار، وتمثل اعتداء على سيادة تركيا وتحدياً صارخاً لمشاعر الشعب التركي المسلم، وستحول تركيا إلى قاعدة لانطلاق الطائرات الحربية الإسرائيلية. ودعت هذه الصحف تركيا إلى احترام العلاقات التاريخية مع الدول العربية، أو على الأقل اتخاذ موقف عادل من الصراع الحالي بين العرب وإسرائيل .
  • وانتقدت الجامعة العربية الاتفاقية ووصفتها بأنها: "حلف عدواني جديد" في المنطقة وتشكل تهديداً لسورية ولبنان والعراق بشكل خاص.

لقد فشل الطرف العربي في فَهْم تعقيدات الأوضاع الداخلية في تركيا واعتباراتها الإقليمية والدولية، وأسهم هذا التعامل الخاطئ في إدارة الأزمة في خلق بيئة في المنطقة يمكن أن يكون من نتائجها دفع تركيا أكثر وأكثر إلى خانة الدول التي لا تُكن وداً تجاه العرب، وتصريحات بعض القادة العسكريين والمسؤولين الأتراك في الآونة الأخيرة، خير شاهد على ذلك.

ننتقل بعد ذلك إلى الإجابة عن السؤال الخامس: ألم يكن لتركيا علاقات ومواقف إزاء إسرائيل منذ نشأتها، ولم نعترض، من قبل، على ذلك؟

لكي نكون منصفين في عرضنا للموضوع من كل جوانبه علينا أن نتذكر أن تركيا لم تكن دائماً إلى جانب الصف العربي. فقد اعترفت بإسرائيل في الثامن والعشرين من مارس عام 1949، كما أيدت الغرب، في صيف 1951، محتجة على قرار مصر منع مرور السفن الإسرائيلية عبر قناة >السويس

  • وفي يونيه 1954، وَجّـه رئيس الوزارة التركية، عدنان مندريس، أثناء زيارته إلى واشنطن لوماً شديداً إلى العرب، وطالبهم بالاعتراف بحق إسرائيل في الحياة. واتخذ وقتها خطاً معادياً للعرب.
  • وفي عـام 1958، أقامت تركيا وإسرائيل نوعاً من التحالف العسكري أطلقتا عليه اسم "الاتفاق الإطاري"، في أعقاب قيام الوحدة بين مصر وسورية. وقد ضم الاتفاق بنوداً تنظم التعاون في المجال العسكري، وتبادل المعلومات، والتدريب المشترك، وتبادل التكنولوجيا، وإسهام الإسرائيليين في بناء بعض المطارات في تركيا . كما تضمن تعهدات إسرائيلية بدعم المطالب التركية المتعلقة بقبرص ، التي كانت في طريقها إلى الاستقلال عن بريطانيا في ذلك الوقت، وتأمين حصول الأتراك على بعض القروض المالية.
  • وقد استمر التعاون بين إسرائيل وتركيا في الثمانينات، ومن الأمثلة على ذلك ما حدث لقواعد منظمة أسالا (ASALA) الأرمينية (Armenian Secret Army for Liberation of  Armenia ) في البقاع اللبناني التي دمرتها إسرائيل خلال اجتياحها لبنان عام 1982، لأنها كانت تهاجم المصالح التركية في كل مكان. كما تعاونت تركيا مع الولايات المتحدة وإسرائيل على تزويد إيران بالأسلحة أثناء الحرب الإيرانية ـ العراقية، حين سمحت تركيا للطائرات الإسرائيلية بعبور المجال التركي لنقل السلاح إلى مدينة تبريز الإيرانية.
  • وفي الذاكرة أيضاً دور تركيا خلال الحرب الإيرانية ـ العراقية في "ترتيب" عملية هجرة (30) ألف يهودي إيراني إلى إسرائيل مقابل تزويدها إيران بالأسلحة خلال الحرب.
  • وفي 31 مارس 1994، وقّعت إسرائيل وتركيا "اتفاق الأمن والسرية"، ويومها أكّد وزير الخارجية، حكمت تشيتين، أن هذا الاتفاق وليد جهازَي المخابرات في البلدين: الموساد، والـ "ميت" MIT .
  • ولا نغفل وجود مجموعة يهودية تركية تتركز في إستانبول، عددهم يقارب 24 ألف نسمة، ولهم نفوذٌ كبير يتجاوز هذا العدد، بسبب ثرائهم وموقعهم البارز في الحياة التجارية منذ العهد السلطاني. كما يُقدّر عدد اليهود الأتراك الذين يعيشون في إسرائيل بـ 120 ألف نسمة، غالبيتهم هاجروا في الستينات والسبعينات، ولا يزالون يقومـون بنشاط واسع في سبيل تركيا التي سعت إلى الحفاظ على هذه الرابطة كعنصر إيجابي في العلاقة التركية ـ الإسرائيلية.
  • ومنذ عام 1950 وحتى العام الحالي، بلغ مجموع الاتفاقيات التركية ـ الإسرائيلية، طبقاً للمعلن عنه، عشراً، في جميع المجالات، وذلك بخلاف الاتفاقيات الأخرى التي أحيطت بنطاق من السرية والغموض.

وحتى تكون رؤيتنا عادلة، بعيدة عن الانفعال والانحياز، نتساءل: ألا يحق لتركيا أن تبحث عن مصالحها الوطنية في المقام الأول؟

تشعر تركيا أن المدخل إلى الولايات المتحدة لن يكون إلاّ عبر إسرائيل . ويبدو أن تركيا قد توصلت إلى هذه الحقيقة التي عجزنا ـ نحن العرب ـ عن فَهْمها أو الوصول إليها، وإذا كنا قد فهمناها فلا نريد تصديقها، وإذا كنا قد صدقناها فلا نريد الإفصاح عنها. هذه الحقيقة هي ضرورة التعامل، حالياً، مع إسرائيل والولايات المتحدة على أنهما نسيج واحد، وكلّ لا يتجزأ، وأن ننظر إلى إسرائيل على أنها الدولة التي تُنفّـذ السياسات الأمريكية في الشرق الأوسط، والقول إن لكل من الدولتيْن سياسة خاصة بها قول يجانبه الصواب. فإسرائيل لا تستطيع المبادرة بأي خطوة إلاّ  بمباركة الولايات المتحدة وموافقتها، وبتنسيق كامل بينهما. وما يجري الآن على أرض الواقع خير شاهد على ذلك. وكنت أظن أن حرب تحرير دولة الكويت أثبتت عدم الأهمية القصوى لإسرائيل كحليف إستراتيجي في المنطقة، وأنها ـ أي الحرب ـ ستجعل الولايات المتحدة تعيد النظر في سياستها تجاه شعوب المنطقة. ولكن، للأسف، استمرت في انتهاج سياسة الدعم اللامحدود لإسرائيل حتى بتنا في حيرة من أمرنا، أيٌّ منهما الدولة العظمى، ومَنْ يقود مَنْ؟ ومَنْ يعمل لمصلحة مَنْ؟

وعودة إلى موضوعنا، نجد أن إسرائيل منذ نشأتها تحاول إقناع تركيا بالأفعال وليس بالأقوال والوعود ـ أنها تستطيع مساعدتها وتقديم العون لها في جميع المجالات. وتركيا بداهة ـ لها الحق في أن تبحث عن تحقيق مصالحها، وعن تعزيز مكانتها الإقليمية والدولية، خاصة بعد تراجع أهميتها في إستراتيجية الولايات المتحدة والدول الغربية بعد انحسار الشيوعية، وأن تبحث عن تطوير اقتصادها، وتحديث قواتها المسلحة، وعن رفاهية شعبها، ودرء الأخطار عن أرضها.

فتركيا في حاجة إلى الدعم الأمريكي، من خلال إسرائيل لمواجهة تحركات اللوبي الأرميني ـ اليوناني في الكونجرس الذي يعرقل المساعدات الأمريكية لتركيا، ولإلغاء الحظر غير المعلن على أسلحة اشترتها تركيا ودفعت ثمنها (10 طائرات هليوكوبتر مهاجمة من طراز سوبر كوبرا، وثلاث فرقاطات) ، وأسلحة أخرى ترغب في تزويد قواتها المسلحة بها. كما أن تركيا في حاجة إلى الدعم الأمريكي واللوبي الصهيوني لتعزيز فرص الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.

إن الاتفاق التركي ـ الإسرائيلي يتيح لتركيا عدداً من الميزات، أهمها:

  • رفع كفاءة وفاعلية القوات المسلحة التركية، مما يقوي الجيش التركي ويدعم دوره في صنع السياسة العامة، ويساعده على حسم الصراع في جنوب شرقي البلاد في مواجهة حزب العمال الكردستاني. والتوغل العسكري التركي الأخير في شمالي العراق الذي حظي بمباركة الولايات المتحدة والغرب، خير شاهد على ذلك.
  • تطوير العلاقات بين البلدين في كافة المجالات، خاصة التعاون الاقتصادي من خلال إنشاء المنطقة التجارية الحرة، التي تهدف إسرائيل من خلالها إلى زيادة صادراتها إلى تركيا، خصوصاً من الأجهزة الإلكترونية وأجهزة الاتصالات والآلات الزراعية. وقد ارتفع حجم التبادل التجاري بين البلديْن من 124 مليون دولار عام 1990 إلى 450 مليون دولار عام 1996. ويطمح الطرفان إلى رقم مليارين من الدولارات عام 2000، وهو العام الذي سوف يشهد بداية تنفيذ اتفاقية التبادل التجاري الحرّ بينهما.
  • الضغط على سورية للتخلي عن دعم حزب العمال الكردستاني، وفك ارتباطها باليونان والتخلي عن أي امتيازات أو تسهيلات منحتها لها.

وقبل الانتقال إلى السؤال التالي، علينا أن نحذِّر أن أشد سلبيات الاتفاقية خطراً على تركيا أنها تربط كفاءة قواتها المسلحة بإسرائيل، وهو أمرٌ يشكل تبعية كاملة لإسرائيل ، كما أنه يجبر السياسيين، أيّاً كانت توجهاتهم، علمانية أم إسلامية، على الخضوع لأساسيات الاتفاقية وعدم القدرة على المساس بها، خوفاً من تأثير ذلك في مستوى الكفاءة والفاعلية العسكرية التركية. فهل يقبل السياسيون والعسكريون في تركيا الخضوع والتبعية الدائمة لإسرائيل؟!

والآن، بعد أن اتضحت الصورة كاملة، علينا الإجابة عن السؤال الأكثر أهمية: ما الذي يجب علينـا أن نفعلـه حتى لا تتحول تركيا عن صداقتها ومؤازرتها للعرب، فتنجح إسرائيل في جولة أخرى ضدنا؟

سأحاول الإجابة عن هذا السؤال من وجهة نظري الشخصية إلى الموقف العربي، تاركاً ما يجب اتخاذه بواسطة الجانب التركي للمسؤولين في تركيا ، فهُم أدرى بما ينفعهم وما يضرهم. ولكن قبل الإجابة أذكّرهم بنقاط عدة يجب أخذها في الحسبان:

أولاً: ألاّ ندع تداعيات الماضي البعيد تؤثر في حاضر أجيالنا ومستقبلهم.

ثانياً: نعم، إن تركيا دولة ذات سيادة، وحرّة في أن تعقد ما تشاء من اتفاقيات، من دون تدخل من أحد، ولكن بشرط ألاّ تضر هذه الاتفاقيات بمصالح الآخرين، الذين ارتبطت وترتبط تركيا بهم بروابط التاريخ والدين والثقافة والحضارة والجوار.

ثالثاً: إن أسلوب الوعيد والتهديد والتحدي، أضحى أسلوباً عفاه الزمن، ولا يحقق مصلحة، أو يكسب وداً.

رابعاً: إننا ننظر إلى تركيا كلاعب رئيسي في منطقة الشرق الأوسط، لها ثقلها السياسي والاقتصادي والعسكري، ولها تراثها الحضاري. ونتمنى ألاّ نراها وقد باتت مخلب قطٍّ ونقطة وثُوب على الدول العربية.

خامساً: إننا نتوقع من تركيا ألاّ تضحي بمصالحها الإستراتيجية بعيدة المدى في سبيل تحقيق مصالح تكتيكية قريبة المدى.

سادساً: نتمنى ألاّ تضع تركيا نفسها في صف واحد وفي خندق واحد مع أعداء الأمة العربية والأمة الإسلامية.

وللإجابة عن السؤال، الذي نحن في صدده، أقول: يجب علينا ـ نحن العرب ـ أن نتوقف قليلاً لنراجع السياسة التي تعودناها عند مواجهة أزمة من الأزمات، صغيرة كانت أو كبيرة، وهي الاستنكار والشجب والإدانة والشعور بالقلق، ثم نهدأ بعد أن نكون قد فقدنا أحد أصدقائنا وأضفنا آخر إلى أعدائنا. علينا اتّباع الخطوات العلمية الرشيدة عند إدارتنا لأي أزمة، حتى تكون خطواتنا خطوات علمية واقعية بعيدة عن الانفعال والعاطفية.

* علينا أن نضع المصالح الاقتصادية المتبادلة في المقام الأول في علاقتنا، وألاّ يكون حجم التبادل التجاري فقط (صادرات وواردات) هو مؤشر نجاح مصالحنا، بل يجب أن يكون هدفنا مشاركة اقتصادية كاملة في جميع المجالات الزراعية والصناعية والتجارية. وسأضرب مثلاً على ذلك: إن حجم التبادل التجاري بين تركيا وإسرائيل طبقاً لتقديرات عام 1995 هو (363) مليوناً من الدولارات، وبين تركيا والمملكة العربية السعودية طبقاً لتقديرات العام نفسه هو (8ر1) مليار من الدولارات، ولكن إسرائيل ترتبط بتركيا في مشاريع بعيدة المدى، تُلزم الحكومات التركية المتعاقبة أيّاً كان توجهها، مثل المشاريع الزراعية، وبناء محطات توليد قوى، والمشاريع الصناعية، والتصنيع العسكري المشترك، وتبادل الوفود والبعثات التعليمية والخبرات في كافة المجالات، والمساعدة على المشاريع العملاقة، والتغلغل في المجال العسكري. هذا ما أقصده بالمشاركة الكاملة.

  • إن العلاقات الاقتصادية يجب أن تتطور بشقيها الرسمي والشعبي، إذ يمكن تنشيط الاستثمارات بين الجانبين في قطاعات المال والبنوك والإنشاءات والسياحة، وإنشاء شركات استشارية وتجارية مشتركة في تركيا والبلدان العربية للتعامل عن قرب مع الأسواق التركية والعربية والدخول في منافسات مع الشركات الغربية لتقديم الأفضل والأحسن في هذا المجال، والتفكير جدياً في إيجاد صيغة للتكامل الاقتصادي بين العرب والأتراك، ولو بصورة تدريجية.
  • يأتي التعاون الثقافي والاجتماعي والإعلامي في الأهمية التالية، إن لم تكن على قدم المساواة مع الأهمية الأولى. فمن الضروري أن يبدأ العرب ـ والأتراك أيضاً ـ في تنقية كتب الاجتماعيات (التاريخ والجغرافيا والاجتماع والاقتصاد والتربية الوطنية) من كل ما يسيء إلى الشعوب العربية والشعب التركي. فهذه الكتب هي التي تشكل فكر الناشئة الذين سيصبحون أصحاب القرار السياسي في المستقبل، وسيؤلفون الرأي العام. كما يجب عقد اتفاقيات ثقافية وتعليمية وإعلامية لتحقيق أهداف مشتركة تعود بالخير على الطرفيْن، وحتى يشعر الشعب التركي بأن العرب أقرب الشعوب الإسلامية إليه حضارياً وتراثياً وعلمياً فضلاً عن حسن الجوار والمصالح المشتركة.
  • أمّا عن التعاون العسكري بين الدول العربية وتركيا فإنه من الأهمية بمكان أن يحظى بالاهتمام من كلا الجانبيْن، وسأكتفي في هذا المجال بما ذكرته في كتابي "مقاتل من الصحراء" ـ الذي شرعت في إعداده أوائل عام 1992 وصدر في فبراير 1995 ـ عندما تحدثت عن الدوائر الأربع لتحقيق الأمن:

"أمّا "الدائرة الثالثة"، من وجهة نظري، فتتكون من الدول الصديقة ضمن الحدود الأوسع لمنطقة الشرق الأوسط وجنوبي آسيا. وأعني بها مصر وسورية، وهما دولتان عربيتان وقفتا إلى جانبنا إبَّان أزمة الخليج، إضافة إلى تركيا وباكستان وهما قوتان صديقتان مسلمتان تقعان على الحدود المباشرة لمنطقتنا. فإذا خطَّطت هذه الدول الأربع، إضافة إلى دول مجلس التعاون الخليجي لدفاع مشترك يجمع بينها جميعاً، ونفَّذت تدريبات مشتركة، فإنها ستسهم بشكل كبير وفعّال في أمن المنطقة. فتركيا بصفتها عضواً في حلف شمال الأطلسي، وقوة عسكرية لا يستهان بها، تستطيع أن تؤدّي دَوراً مهمّاً كقناة اتصال بين حلفائنا الإقليميين وأصدقائنا الغربيين. وتنفيذ تدريبات مشتركة مع تركيا سيعطينا ميزة التعرف بمستويات الأداء العسكري الغربي، ونكون كما لو أجرينا تدريبات مشتركة مع القوات الغربية.

لست أقترح هنا أن تقوم دول الخليج بشراء الخدمات العسكرية من الآخرين، فليس هذا مقصدي على الإطلاق. بل على العكس من ذلك، إن العلاقة بين تلك الدول كلها يجب أن تُبْـنَى على المصالح المشتركةالتي تجمعها. فكما يمكن لتلك الدول أن تكون درعاً ـ بعد الله ـ تحمينا، فإننا في شبه الجزيرة العربية يمكن أن نكون عمقاً إستراتيجياً لها. فأهميتنا لها، لا تقلّ عن أهميتها لنا".

وفي ختام هذا الموضوع الشائك نتساءل: متى نتعلم أن الصداقة مؤقتة، والعداوة مؤقتة، والمصالح المتبادلة المتوازنة هي الدائمة؟

  • نعم علينا أن نعي ذلك، وأن نضع في حسباننا أن توازن المصالح، وليس توازن القوى، هو ضمان الأمن والاستقرار. وإذا كنا في شك من ذلك، فلنتلفت شرقاً وغرباً. أين ذهبت العداوة بين دول المحور (ألمانيا وإيطاليا واليابان) وبين بريطانيا وفرنسا والاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة؟ وأين ذهبت العداوة بين دول الاتحاد السوفيتي السابق والولايات المتحدة؟ وهل كان أحد يصدق أن يتسع حلف شمال الأطلسي ليشمل دولاً كانت تدور، يوماً، في فلك الشيوعية؟ لقد ذهبت هذه العداوات وحلت محلها المصالح وليس الصداقات.
  • ولإعطاء مثال آخر على أنّ المصالح هي التي تحكم العلاقات بين الدول، فلنتتبع العلاقات التركية ـ الإيرانية، فبينما تتزايد اتهامات تركيا لإيران برعايتها للإرهاب ودعمها لحزب العمال الكردستاني ومحاولة تصديرها نموذج الثورة الإسلامية الإيرانية، نجد أن الدولتيْن وقعتا اتفاقاً تستورد تركيا بموجبه غازاً طبيعياً بعشرين ملياراً من الدولارات من إيران على مدى عشرين عاماً.
  • ومن يقرأ صحف العاشر من شهر مايو الجاري يجد ما يؤيد أهمية المصالح المتبادلة عمّا سواها في العلاقات الدولية. فقد ورد أن وزير النفط التركي يزور بغداد للبحث في تنفيذ مشروع بناء خط أنابيب لنقل الغاز الطبيعي إلى تركيا وتقدر نفقات البناء بـمليارين ونصف المليار دولار، وستساهم فيه شركات أوروبية مستخرجةً الغاز من خمسة حقول في العراق وفي اليوم نفسه، كتبت صحيفة الثورة العراقية: "إن المناورات البحرية التي ستجريها تركيا وإسرائيل والولايات المتحدة هذا الصيف موجهة ضد العرب، وتهدف إلى تعزيز الوجود الأمريكي في المنطقة. ومشاركة تركيا في المناورات ستؤذي كثيراً علاقاتها ومصالحها مع الأقطار العربية".

كما أعلن الناطق باسم الحكومة اليونانية، ديمتريس ريباس: "إن اليونان وإسرائيل ستجريان للمرة الأولى مناورات عسكرية مشتركة نهاية شهر يونيه القادم في الدوديكانيز، قرب جزيرتَي رودس وكاستيللوريزو (جنوب شرقي إيجه). وهذه المناورات مقررة في إطار الاتفاق العسكري الذي وُقِّع بين اليونان وإسرائيل عام 1994، ولم يطبق حتى الآن". وبالتأكيد فإن إسرائيل ترحب بذلك، وتسعى إليه ما دام يحقق، في النهاية، مصالحها، ولا يهمها إذا كانت تجري مناورات مشتركة مع عدوَّيْن لدودَيْن.

وأخيــراً، نتساءل: هل أساء الجانب العربي التقدير؟ أو أخطأ الجانب التركي في رؤيته الإستراتيجية؟ أو أن الجانبيْن ـ معاً ـ  أخفقـا في الحسابات؟

ولعل أنسب ما أختتم به ما عرضته، من وجهة نظر شخصية، هذه المقولة: ""قيل لأحدهم بِمَ ذهب عزّ بني أمية؟ فقال أبعدوا أصدقاءهم توثقاً من صداقاتهم، وقرّبوا أعداءهم اجتلاباً لمودتهم، فخسروا أصدقاءهم ولم يربحوا خصومهم".

----------------



الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة