الصفحة التالية الصفحة الأخيرة    

المقالة الأولى
بعنوان

الجنرال شوارتزكوف ... البطل يجب أن يتصرف كالأبطال

نشرت في جريدتيْ "الأهرام" و "الحياة"
الخميس، 26/4/1413 هـ الموافق 22/10/1992


بسم الله الرحمن الرحيم

يقال إن الحقيقة أولى ضحايا الحرب، وفى أعقاب كل حرب نسمع أصواتاً كثيرة، أصواتاً لم نكن نسمعها على الإطلاق خلال المعركة، وأصواتاً أخرى كنا نسمعها ولكن علا ضجيجها. فالكل يدّعي البطولة، ومن يستحقها يأبَ أن يشاركه أحد فيها، فهو ينكر أدوار من شاركوه، وعاونوه، وساندوه، ويظهر نفسه كأنه البطل الوحيد، والمنتصر الأوحد، والعبقرية الفذة.

إن القول الشائع إن "النصر متعدد الآباء، والهزيمة يتيمة" صحيح، فالكل يدّعي الفضل في النصر، والكل يتنصّـل من الأخطاء. والمنتصرون يدّعون الكمال في كل شيء، وما حدث من أخطاء، فإمّا أنهم لا يعترفون بها، أو يلقونها على كاهل المرؤوسين، وأحياناً على الآخرين، وكأن الخطأ ليس من شيمهم، أو هو ملغى من قواميسهم.

أقول هذا، بعد أن قرأت العديد من المقالات والمذكرات والكتب، وآخرها كتاب شريك الحرب الجنرال نورمان شوارتزكوف "لا يحتاج الأمر إلى بطل"، وقد فوجئت بما ورد فيه، من سردٍ لأحداث لم تقع، وأخرى تنقصها الدقة في الرواية، وعبارات تحمل في طيّاتها أكثر من معنى أو مغزى، رغم ظني بمصداقيته، وحرصه على التأريخ الدقيق لحرب لم يمرّ على انتهائها أكثر من عام ونصف العام، وحرصه أيضاً على أن يعطي كل ذي حق حقه.

الجنرال شوارتزكوف لم يكن في حاجة، لكي يثبت أنه بطل، إلى أن يُلغي جميع الأدوار الأخرى، التي من دونها لم يكن لعمليتَي "درع الصحراء" و "عاصفة الصحراء" حظ في التنفيذ والنجاح، ولم يكن في حاجة إلى أن يُبيّن في كتابه أنه هو الوحيد الذي فكّر بأسلوب صحيح، وأنه الوحيد الذي تنبأ بالخطر العراقي، لاغياً بذلك دور وزارة الخارجية الأمريكية والبنتاجون ووكالة المخابرات المركزية. وأنه الوحيد الذي خطط لنقل هذه القوات الضخمة في بدء عملية "درع الصحراء"، لاغياً أدوار جميع المخططين في الشؤون اللوجستية. وأنه الوحيد الذي حقق النصر، أما من سواه، فهم إما مخطئون أو بطيئو التفكير، أو أغبياء، وذلك بدءاً بالمسؤول عن وكالة المخابرات المركزية، ومروراً بوزير الدفاع الأمريكي، ورئيس هيئة الأركان المشتركة، الجنرال كولن باول، ونهاية بالجنرال فرانكس، قائد الفيلق السابع الأمريكي. لم يكن الجنرال شوارتزكوف، في حاجة، لكي يثبت أنه بطل، إلى أن يقلل من دور القيادة الموازية والمكافئة لقيادته ـ وهي قيادة القوات المشتركة ومسرح العمليات ـ في تحقيق النصر، الذي أكرمنا به الله ـ عزّ وجلّ. لم يكن في حاجة إلى أن يُقلل من أهمية الإسناد والدعم سواء في الشؤون اللوجستية أو العلاقات العامة أو الشؤون العملياتية. لم يكن في حاجة إلى أن ينسب كل فضلٍ إلى نفسه، حتى في بعض الأحداث التي كان هو نفسه بعيداً عنها بسبعة آلاف ميل. لم يكن في حاجة إلى أن يضمّن كتابه مثل هذه الادعاءات ليُبرهن للعالم أنه كان بطلاً.



الصفحة التالية الصفحة الأخيرة