الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة    

قبل أن أبدأ في سرد بعض الحقائق ـ على سبيل المثال وليس الحصر لأن الحقائق التفصيلية ستظهر في كتابي القادم إن شاء الله ـ يجب أن نضع النقاط التالية في الحسبان:

  1. مما لا شك فيه أنه كان للولايات المتحدة ـ كقوة عظمى وحيدة ـ دورٌ مهمٌ وحيوي في حشد الرأي العام العالمي ضد أطماع طاغية العراق وفي الحشد العسكري الضخم، الذي تم في فترة وجيزة، وفي تحقيق النصر وطرد المعتدي من دولة الكويت
  2. لا أحد ينكر أنه كان ـ أيضاً ـ للمملكة العربية السعودية دور رائد وفعال ومؤثّر في الحشد والتخطيط والتنفيذ وتحقيق النصر. فمن دون القرار التاريخي الشجاع لخادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود، لَمَا فُتِحَتْ موانئ المملكة ومطاراتها ومدنها لاستقبال هذا الحشد الهائل من دول هبت إلى نجدة دولة الكويت ودرء الخطر عن أرض المملكة العربية السعودية ولَمَا تمّ تزويد هذه القوات بمختلف الاحتياجات العملياتية واللوجستية.
  3. لا يخلو أي عمل، مهما بلغ صغره، من احتمالات الخطأ، فالكمال لله وحده، واحتمالات الخطأ واردة في كل موقف، خاصة مع حشـد وتخطيـط وتنظيم وإدارة الأعمال القتالية لقوات مسلحة من 37 دولة.

والآن، سنوضح بعض الحقائق المؤيدة بالمستندات المتوافرة في القيادة المركزية الأمريكية وقيادة القوات المشتركة ومسرح العمليات:

  1. لقد تم تشريفنا بقيادة القوات المشتركة ومسرح العمليات بأمرٍ من مولاي خادم الحرمين الشريفين والقائد الأعلى للقوات المسلحة ـ بناءً على  توصية سيدي صاحب السمو الملكي النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء ووزير الدفـاع والطيران والمفتش العام، ومعالي رئيس هيئة الأركان العامة ـ في 10/8/1990م وليس في أواخر أكتوبر عام 1990م، كما ورد في الفصل 19 الصفحة 374.
  2. لقد كان اسم الوظيفة التي كُلّفت بها منذ بداية الأزمة هو: قائد القوات المشتركة ومسرح العمليات، وليس قائد القوات العربية والإسلامية، كما ورد في بعض صفحات الكتاب، لأن القوات المسلحة من فرنسا وتشيكوسلوفاكيا و المجر و الفيليبين وبولندا التي كانت تحت سيطرتنا العملياتية، لا تُعد قوات عربية أو إسلامية.
  3. إن خطة إخلاء مدينة الخفجي من السكان  المحليين، لقربها من الحدود الكويتية ـ السعودية ولوقوعها في مرمى مدفعية المعتدي، تمت قبل وصول الجنرال شوارتزكوف إلى الرياض بأسبوعين على الأقل. وقرار إخلائها يعتبر ـ من الوجهة العسكرية ـ أمراً بديهياً ولا يحتاج إلى عبقرية أو عمق في التفكير، فما دام السكان في خطر من القصف المدفعي، فيجب اتخاذ قرار بإخلائهم لمنع الخسائر أولاً، ولحرمان المعتدي من التهديد المستمر للمنطقة ثانياً، وحتى لا تكون ورقة رابحة في يده ثالثاً، وهذا يخالف ما ورد في الفصل 21 الصفحة 424، حيث كتب شوارتزكوف: "وقد عارض خالد في البداية، ولكنه اقتنع آخر الأمر".
  4. وفي الوقت نفسه، واستكمالاً لقراري بوضع خطة إخلاء مدينة الخفجي ــ بالتعاون مع إمارة المنطقة الشرقية، فقد أصدرت أوامري بسحب القوات السعودية التي كانت في مواقع دفاعية على الحدود السعودية ـ الكويتية إلى الجنوب بمسافة من 30 إلى 40 كيلومتراً، طبقاً لطبيعة الأرض، واعتبرت هذه المنطقة منطقة أمن ومنطقة قتل لأرتال المعتدي، أيضاً، إذا حاولت عبور الحدود. وأمرت بأن يوجد في منطقة القتل هذه وحدات استطلاع خفيفة الحركة، مهمتها الإنذار فقط عند اقتـراب الأرتال المعادية، وقد تم ذلك قبل وصول شوارتزكوف إلى الرياض (الفصل 21 الصفحة 434).
  5. ورد في الفصل 18 الصفحة 334، أنني غضبت لارتداء بعض العسكريين من القوات الأمريكية قمصانا T-Shirt مطبوعاً عليها خريطة المملكة، بحجة أن وضع أسماء المدن على الخريطة من الأمور التي تعتبر سرية ومحظورة. وهنا لا يسعني إلا أن أقول إنه لا يُمكن أن يتخيل أي عاقل أن خريطة دولة من الدول عليها المدن الرئيسية تعتبر وثيقة سرية. ألا تُباع هذه الخرائط في المتاجر وتُوزع في مراكز الاستعلامات ومكاتب شركات الطيران، وفي المكاتب السياحية؟ للأسف، إن الجنرال لم يذكر السبب الحقيقي لشدة غضبي، عندما علمت أنهم يبيعونها في المتاجر العسكرية التابعة لوحداتهم. والسبب هو أن خريطة المملكة المطبوعة على القمصان يتوسطها علم الولايات المتحدة، وليس علم المملكة. وبالطبع أفهمته أن مثل هذا الإجراء قد يُفسر على أن المملكة محتلة من الولايات المتحدة، مما يُسيء إليهم ويهدد مصالحهم، قبل أن يُسيء إلينا. وأضفت أنه ما من دولة في العالم أو رجل غيور على سمعة بلاده يقبل أن تُطبع خريطة بلاده ويتوسطها علم آخر غير علم دولته.
  6. أما عن معركة الخفجي، فالحقيقة أنني لم أكن موجوداً بها عند بدء المعركة، وإنما كنت أُقلد ضباط القوات البحرية السعودية الأوسمة، التي منحهم إيّاها خادم الحرمين الشريفين والقائد الأعلى للقوات المسلحة، لتدميرهم أكبر قطعة بحرية للمعتدي عندما حاولت الاعتداء على السيادة البحرية السعودية. وعندما وردت إلينا التبليغات القتالية بتقدم أرتال المعتدي ومحاولتها اقتحام المدينة، توجهت مباشرة إلى أرض المعركة لكي أكون قريباً من القادة الميدانيين الأماميين، وحاضراً للتدخل بإمكانات أكبر، وقيادة المعركة. لم يكن هناك أي اتصال مع الجنرال شوارتزكوف في ذلك الوقت، ولم أتحدث معه طوال وجودي في مركز القيادة المتقدم، لأنه ببساطة لم يكن هناك داعٍ لذلك، فالقوات التي تُقاتل هي تحت إمرتي، والمعتدي يهاجم قطاع مسؤوليتي. ولا يخفى على أحد من العسكريين الذين كان لهم شرف الاشتراك في هذه المعركة ـ وعلى القيادة المركزية الأمريكية أيضاً ـ أن أحد الأسباب التي ساعدت على سرعة تقدم أرتال المعتدي واقتحامها المدينة هو تأخر المعاونة الجوية القريبة، وعدم الاستجابة للطلب في الوقت المناسب، حيث كانت السيطرة العملياتية الجوية من مسؤولية القوات الجوية الأمريكية. كما أنني لا أُذيع سراً إذا قلت إن أحد الأسباب التي دعتني إلى تأخير الهجوم المضاد لمدة 24 ساعة هو محاولات إنقاذ طاقمَي استطلاع من القوات الأمريكية ـ يضمان اثني عشر فرداً ـ من المدينة قبل اقتحامها من جانبنا. للأسف، لم تُذكر هذه الحقائق في الكتاب، ولم يعترف بها كنقاط قوة للجانب السعودي.
  7. لقد اتفقت مع الجنرال شوارتزكوف أن نعقد اجتماعاً تنسيقياً يومياً في مكتبي، وذلك لأغراض التحليل والتنسيق، وحلّ نقاط الخلاف، ووضع الحلول لأي مشاكل إدارية أو عملياتية، والتشاور في الخطط المستقبلية. ولم تكن هذه الاجتماعات لشرب القهوة والعصائر والكابتشينو، أو رواية الأحاديث والأمثال. فلم تكن طبيعة الأحداث والمهام والمشاكل لتترك لنا فرصة مثل هذه. وهذا، للأسف، وارد أيضاً في الفصل 18 الصفحة 334.
  8. حاول التلميح في خصوص أداء القوات المصرية، وتنفيذ المهام بالنسبة إلى القوات السورية، ونظراً إلى أنني لست في حاجة إلى الدفاع عن هذه القوات، إلاّ أنني يجب أن أقول كلمة حق للتاريخ، لقد أدت القوتان المصرية والسورية مهامهما على أكمل وجه، وكانت مشاركتهما في هذه الحرب فاعلة وضرورية، وسعدت أن مثل هذه القوات المحترفة كانت تحت قيادتي.
  9. يدّعي الجنرال شوارتزكوف، في الفصل 18 الصفحة 338، أنه هو الذي اقترح تشكيل لجنة لحل المشاكل الثقافية قبل أن تتفاقم. والحقيقة أن تشكيل هذه اللجنة انبثق من الاجتماع الذي عُقِدَ في المنطقة الشرقية برئاسة صاحب السمو الملكي أمير المنطقة الشرقية، وحضره الجنرال يوساك، واللواء عبدالعزيز آل الشيخ وقائد الفيلق 18. وتم الاتفاق على تشكيل لجنة أمنية تتكون من قائد المنطقة الشرقية مندوباً عن وزارة الدفاع، ومدير شرطة المنطقة الشرقية مندوباً عن وزارة الداخلية، وقائد الفيلق 18 مندوباً عن القوات الأمريكية، ومدير فرع الأمن العسكري بالمنطقة الشرقية لحل جميع المشاكل التي تنتج من تصرفات أفراد القوات الأمريكية.
  10. يقول الجنرال شوارتزكوف، في كتابه، إن أشدّ ما كان يقلقه أن السعوديين لم يكونوا مُهتمين أو مُدركين لخطر التهديد العراقي قدر اهتمامهم بالمشاكل الثقافية الناشئة عن الوجود الأمريكي على أراضيهم. هذا القول يُخالف الحقيقة تماماً، فيكفي القرار التاريخي الشجاع، الذي اتخذه مولاي القائد الأعلى للقوات المسلحة السعودية، والإجراءات التي اتخذتها الحكومة الرشيدة، والإسناد الكامل من الشعب السعودي العظيم، ليبين له إلى أي مدى كان السعوديون يُقدرون أخطار المعتدي، وإلى أي مدى ساندوا ودعموا جميع القوات التي شاركت في حرب تحرير الكويت... لا يوجد دليل أقوى من ذلك.
    وبفرض صحة مقولة الجنرال، ما الذي يُضير المملكة أو يُسيء إلى سمعتها إذا كانت حريصة على تقاليدها وعاداتها وقيمها، كزعيمة ورائدة للعالم الإسلامي؟ ألا يُعتبر أي تهديد لهذه العادات والتقاليد والقِيم الإسلامية تهديداً داخلياً للدولة الإسلامية لا يقلّ خطراً عن التهديد الخارجي؟ وهنا، سأُذكّر الجنرال بحديثه معي عن التقاليد والعادات والقِيم التي وجدها متّبعة في المملكة، وكيف أنه للمرة الأولى في تاريخ القوات المسلحة الأمريكية تختفي جرائم السكر والجنس، وأنه لذلك تفرغ القادة للتدريب ورفع الكفاءة القتالية لوحداتهم. وبإذن الله، ستظل المملكة، بقيادة قادتها المخلصين، متمسكة بمبادئ الدين الإسلامي وشريعته الغراء إلى أن تقوم الساعة.
  1. ذكر الجنرال شوارتزكوف، في كتابه، أنه هاج عندما أعلنت في اجتماع عام "أن أفضل طريق للحرب يكون بشن الهجوم من اتجاه تركيا"، مما نتج منه مناقشات حامية تم على أثرها مقاطعة بيننا استمرت 24 ساعة. إن هذه القصة عارية من الحقيقة تماماً، فإنني لم أُصدر مثل هذا التصريح، ويمكن إثبات ذلك أو نفيه بمراجعة تصريحاتي خلال هذه الفترة. أما الحقيقة، فإن موضوع الهجوم من اتجاه تركيا تم عبر وثيقة سرية للغاية تعليقاً على أول مسوّدة لخطة "عاصفة الصحراء" تُـقدم إليّ بعد أن أنجزها فريق التخطيط المشترك الأمريكي ـ السعودي. وفي هذه المذكرة أوضحت له ضرورة التفكير في هجوم آخر من اتجاه تركيا كخطة طوارئ، وملاحظات أخرى اعتبرها الجنرال تدخلاً مني في استخدام القوات التي كانت تحت إمرته، على الرغم من أنني وجّهت إليه هذه الملاحظات كأسئلة استفهامية، حيث إن الاستخدام كان يُخالف ما ورد في المراجع الأمريكية. كما أنني لم أعتذر له ـ كما ذكر ـ عندما حضر إلى مكتبي لسبب بسيط، وهو أنني لم أخطئ في حقه، وعندما احتدم النقاش بيننا غادرت مكتبه، لأن الظروف التي كنا نمرّ بها لم تكن تسمح لنا بالصياح كالصغار.
  2. في الفصل 20 الصفحة 402، يروي الجنرال أنه هو الذي اقترح حلاً عظيماً عندما علم بأن القوات السورية ترفض الاشتراك في الهجوم، وذلك بوضعها في الاحتياطي، حتى يبدو كأنها اشتركت في القتال، ولكن حقيقة الأمر أنها لم تشترك في القتال. هنا أجد نفسي مضطراً إلى توضيح بعض المسائل العملياتية التي ما كنت أحب أن أخوض فيها الآن. والحقيقة هي: من اليوم الأول لوصول القوات السورية كُلفت بالمهام القتالية التي تتناسب مع إمكاناتها وقدراتها القتالية. واكتمل لدينا في القطاع الشمالي قبل بدء العمليات البرية الفيلق (الجيش الميداني) المصري، المكون أساساً من فرقتين، إضافة إلى عدة ألوية سعودية ووحدات كويتية، تعادل في حجمها فرقة أخرى، والفرقـة المدرعة السورية. وبتفكير بسيط ـ لا يحتاج إلى عبقرية عسكرية ـ نجد أنه يجب أن يوجد في النسق الأول العملياتي (التعبوي) القوات السعودية والكويتية أولاً، والفيلق المصري كاملاً لعدم تجزئته، وأن نحتفظ بالفرقة المدرعة السورية كاحتياطي عملياتي للقطاع الشمالي، بحيث تكون جاهزة للدفع للاشتباك عند الضرورة. ولم أكتفِ بذلك، فقد أمرت بتحريك مجموعات مدفعية الفرقة السورية إلى الأمام ووضعت المدفعية السعودية تحت سيطرتها العملياتية في واجب التعزيز، واشتركت المدفعية السورية والمدفعية السعودية في تنفيذ مهام التمهيد والإسناد النيراني. كما شكلت مجموعات مختلطة من وحدات المهندسين العسكريين السورية والسعودية، وكانت وحدات المهندسين السوريين تحت السيطرة العملياتية للوحدات السعودية، وعملت هذه المجموعات بنجاح في فتح الثغرات والتغلب على العوائق.
  3. يدّعي الجنرال شوارتزكوف، في كتابه، أنه هو الذي نظّم عملية تحرير مدينة الكويت والحقيقة تُخالف ذلك. فعندما اقتربت القوات التي كانت تحت إمرتي من الحدود الخارجية للمدينة، أمرت بتشكيل قوتَي واجب من وحدات من جميع القوات العربية المشاركة، الأولى تهاجم المدينة من الجنوب، والأخرى من الغرب، بحيث تقتحم الوحدات مدينة الكويت في وقت واحد. لقد وجدت أن الأمانة تجاه جميع القوات العربية التي كان لي شرف قيادتها تقتضي مني إشراكها جميعاً في تحقيق هذا الهدف الذي كنا نسعى إليه، حتى لا يدّعي أحد ـ في المستقبل ـ أنه كان لقواته فقط شرف السبق في تحرير عاصمة الكويت
  4. على الرغم من أنه ذكر اسمي أكثر من خمسين مرة في كتابه، إلاّ أن ذلك، للأسف، كان في صغائر الأمور، ولم يذكر الدور الحقيقي لقائد القوات المشتركة ومسرح العمليات سواء في تخطيط أو إدارة العمليات العسكرية. لم يذكر الدور الحقيقي لإسناد قوات 37 دولة، والسيطرة العملياتيـــة على قوات من 24 دولة.

وأخيراً، أُكــرر مرة ثانية أن الجنرال شوارتزكوف لم يكن في حاجة إلى أن يضع في كتابه مثل هذه الأخطاء ـ التي أرجو ألاّ تكون متعمدة ـ لكي يثبت أنه كان بطلاً. البطل، يا صديقي نورم، يجب أن يتصرف دائماً كالأبطال.

الفريق الأول الركن (المتقاعد)

خالد بن سلطان بن عبدالعزيز

------------------------



الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة