الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة    

لقد أثْـرى القرّاء الموضوع جميعهم، أضافوا وأسهبوا، وطرحوا نقاطاً جديدة. اختلفت ثقافاتهم، وتباينت خلفياتهم، ولكنهم جميعاً اتفقوا على ضرورة التمسّك بالأمل. وليسمحوا لي باستعارة بعضٍ من عباراتهم:

* "لا حياة بلا أمل في الغـد، فالحياة انتظار ليوم جديد أكثر إشراقاً".

* "تعلمنا في المدرسة أن المستحيلات ثلاثة: الغول والعنقاء والخل الوفيّ. وعلمتني مدرسة "الحياة" أن ثمة مستحيلاً رابعاً هو العمل العربي المشترك".

* "لا أشعر بالأمل عندما أرى وأسمع أن بعض الحكومات العربية تحيك المؤامرات ضدّ حكومات عربية أخرى، أو دولة عربية تغزو دولة عربية أخرى. ولا أشعر بالأمل عندما تتجاهل الدول العربية قرارات الجامعة العربية، وتسارع وتبالغ في تنفيذ قرارات مجلس الأمن".

* "نجحت إسرائيل فـــي إغراق العرب في مشاكلهم، لتزداد قوة وسطوة، وقدرة على تخطيط وتنفيذ ما تريد. حقاً، إن تفرُّقنا ســرّ قوّتهم".

* " علينا أن نعترف بأن (الداء) فينا، ونتيجة لمواقفنا وممارساتنا الذاتية، والقوى الخارجية تستغل وجود هذا (الداء) لتفرض علينا القهر والهزيمة".

* "لا تستطيع أي دولة أن تملك قرارها، وبجوارها دولة تشهر أسلحة الدمار الشامل في وجهها".

* "لا يمكن  أن تحترم إسرائيل العرب، إلاّ إذا بدأوا في عمل جدّي بعيد المدى، يحقق تعاوناً عربياً شاملاً، وتوازناً استراتيجياً مقنعاً، وقابلاً للتصديق، يُجبر إسرائيل على الرضوخ".

* "إن العمل العربي المشترك، لا يزال أسير ردود الأفعال بدلاً من المبادرة والأعمال، وينصبّ على المظاهر والقشور بدلاً من الجوهر واللباب، ويعتمد المستحيل على حساب الممكن، ويتيه في سفاسف الأمور والمنطق الجدلي العقيم".

* "إن الأمّة التي لا تعرف حقيقة نفسها وقدراتها، أو تجهل ما يدور حولها، أو لا تدرك ما تدبره الأمم الأخرى إزاءها بشكل وثيق وصحيح، لن تستطيع التأثير في سَير الأحداث، بل ستفقد مبررات البقاء، وتندثر، شأن أمم وحضارات كثيرة، سادت ثم بادت: وذلك منطق التاريخ".

* "لِمَ جعلنا قرارات القِمم العربية الأخيرة نهاية مطافٍ بدلاً من مواقع انطلاق؟ أين الآلية لمراقبة تنفيذ قرارات القِـمم؟ هل أصبحت هذه القرارات مجرد إلهاءٍ أو تخدير للشعوب العربية، التي تريد أن تخرج الإرادة العربية من سِـجن اللاّ حسم؟

* "الحديث عن صراع بين "العرب" وإسرائيل تنقصه الدِّقة، لأن العرب لم يتحركوا كإرادة واحدة طول فترة الصراع، التي استمرت قرناً من الزمان. فالصراع ليس صراع كتل، بل صراع إرادات ـ تتحرك في ثبات وجرأة ـ لتنفيذ خطط متّـفَق عليها لمواجهة العدو المشترك".

* "لو كانت معاهدة الدفاع العربي المشترك لعام 1950 قائمة حقاً، لَمَا حدث غزو عراقي للكويت عام 1990".

* "إن توازن القوى هو أهم عامل لتحقيق الردع. وهو فنُّ تحقيق الأهداف من دون قتال، أو هو فنُّ التلويح باستخدام وسائل القتال لمنْع القتال".

"إن اختلال توازن القوى لمصلحة إسرائيل ليس هو بسبب قلّة وسائل القتال العربية ... ولكنه بسبب تميز إسرائيل بعامليْن، هما: الإرادة والقيادة".

عبارات حاسمة، وآراء راجحة، ورؤى واضحة، تضمّـنتها الردود المختلفة، تُعبّر عن وعي قائليها وإداركهم للأخطار والتحديات التي تحيط بالأمة العربية، وهي لا تنأى بعيداً عمّا تناولته في مقالتَي "هل من أمل؟". كما أن الأحداث التي تعاقبت وتتعاقب وستتعاقب، أكدت وتؤكد كل كلمة وردت في المقالتيْن، بدءاً من الخطوات الإسرائيلية لمنْع التفاوض في شأن الجولان والحديث عن مشروع بناء سد على أرض سورية محتلة، ومروراً بحصار المدن الفلسطينية عقب العمليات الانتحارية لفلسطينيين يائسين، واعتقال المئات من المدافعين عن أرضهم وعرضهم، وتدمير المنازل في الخليل، وإصابة براعم فلسطينية في بيت لحم، وانتهاءً بمهزلة احتلال مستعمرين لمنازل الفلسطينيين في رأس العامود. مسرحية أحداثها معادة زماناً ومكاناً، ونهايتها معروفة سلفاً، وهي فرض الأمر الواقع. أمّا نحن العرب فسنظل ـ كما ذكرت من قبل ـ نرقص على الإيقاعات الإسرائيلية التي تشتّت جهودنا، وتبعثر قوانا، وتضحك على حالنا، تاركة لنا فضل السبق إلى واشنطن ، نستجدي منها الحل، ونناشدها ألاّ تكيل بمكياليْن، وننتظر عاجزين زيارة هنا، ونتطلع إلى أخرى هناك، نخادع أنفسنا بتصريح هنا، وآخر هناك. إننا، جميعاً، نتحدث عن عدم حيدة الولايات المتحدة، ووقوفها إلى جانب إسرائيل، ونتهمها بالتحيز، وكأن ذلك أمرٌ حدث فجأة، أو منذ عهد قريب! ولو عُدنا إلى صفحات التاريخ في الأربعينات وما قبْلها، لوجدنا المواقف نفسها من جانبهم، والمناشدات عينها من جانبنا، ولم يتغير شيء يُذكر في السنوات القليلة الماضية، سوى المجاهرة علناً بهذا الانحياز، من دون اعتبار لمشاعر القيادات والشعوب العربية، وكأن العرب أصبحوا صفراً في معادلتهم السياسية. ولعل ما ورد في الكلمة التي ألقاها مارتن إنديك، السفير السابق للولايات المتحدة الأمريكية لدى إسرائيل، في حفلة وداع  بمناسبة نهاية مهمته في تل أبيب، حين قال: "إذا كان الجيش الإسرائيلي هو خط الدفاع الأول عن إسرائيل فإن الولايات المتحدة هي خطها الدفاعي الثاني"، ما يدل على أننا لا نقرأ التاريخ، وإذا قرأناه لا نتعلم منه.

كما اتّضح من بعض الردود، أن هناك عدم وضوحٍ، ومن ثمَّ صعوبة تفرقةٍ، بين تحديد طبيعة المشكلة، وأسبابها، وظواهرها أو أعراضها، ونتائجها، والحلول الممكنة والمستحيلة، مما يُصعّب التشخيص ويخطئ التوصيف ... تشخيص المرض ووصف الدواء. يحدث هذا كله في الوقت الذي تزخر فيه الأمّة العربية بالمفكرين والمثقفين، والعلماء والباحثين، في كل مجال. وهم، من دون شك، قادرون على اقتراح الحل العملي العادل، في خطوات واضحة وتوقيتات محددة، واضعين في حسبانهم حجم المتناقضات القائمة بين الدول العربية. ولا عيب أن نتعلم من أعدائنا قبْـل أصدقائنا، ونرى كيف أمكن اليهود تحويل وهْم إلى حقيقة، وحلم إلى واقع. كيف تم لهم هذا؟ وكيف يمكننا ذلك؟ هذا هو السؤال، وهنا يكمن الأمل.

الأمل في الله، أولاً وآخراً، ثم الأمل في الاستخدام الأصوب للقوى التي حبانا الله بها، والأمل في الشعوب العربية والإسلامية، والأمل كل الأمل في أمل الأمّـة بشبابها.

----------------



الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة