إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / القدس (سياسياً... وتاريخياً... ودينياً)




وثيقة الأمان العمري
باب ستنا مريم
قبة الصخرة

مملكتي اليهودية وإسرائيل
إنشاء الوحدات السكنية في المستعمرات
مجسم لقبة الصخرة
مجسماً لمدينة إيليا كابيتولينا
الأطواق الاستيطانية حول القدس
الاستيطان اليهودي
الحفريات حول الحرم الشريف
القدس والنفق ـ الأزمة
القدس والانتداب البريطاني
القدس تحت الاحتلال البريطاني
القدس في الثمانينيات
القدس في التسعينيات
القدس في الخمسينيات
القدس في الستينيات
القدس في السبعينيات
خطة الأمم المتحدة للقدس
فلسطين في عهد سليمان وداود

الأوضاع النهائية في فلسطين
الأراضي المصادرة في القدس
القدس منذ عام 1967
القدس بين عامي 1949-1967
قرار تقسيم فلسطين



بسم الله الرحمن الرحيم

ثانياًً: من المنظور اليهودي

1. أرض الميعاد

    تُشير أسفار العهد القديم إلى أن إبراهيم ـ u يأتي من الجيل التاسع لذرية سام بن نوح ـ عليهما السلام ـ إذ إن العرق السامي يتدرج كالآتي:

    سام ـ أرفكشاد ـ شالح ـ عابر ـ فالج ـ رعو ـ سروج ـ ناحور ـ تارح ـ أَبرامُ وهو إبراهيم.

    كان تارح والد إبراهيم ـ u في موطنه، مدينة "أور"، بالعراق، ثم قرر الرحيل إلى أرض كنعان (فلسطين)، مارّاً بمدينة "حاران"، قرب الحدود التركية ـ السورية، غير أنه أقام بها، ثم توفي هناك، "وأخذ تارح أبرام ابنه ولوطاً بن هاران ابن ابنه وساراي كنتهُ امرأة أبرام ابنه. فخرجوا معا من أور الكلدانيين ليذهبوا إلى أرض كنعان. فأتوا إلى حاران وأقاموا هناك".    

    وفي حاران، تلقى إبراهيم ـ u الأمر الإلهي بالذهاب إلى "كنعان". كما تلقى البشرى بأنه سيكون مباركاً وعظيماً، فرحل بقبيلته إلى فلسطين: "وقال الرب لأبرام (إبراهيم) اذهب من أرضك ومن عشيرتك ومن بيت أبيك إلى الأرض التي أريك. فأجعلك أمة عظيمة وأباركك وأعظم اسمك وتكون بركةً وأبارك مباركيك ولاَعِنُكَ ألعنه وتتبارك فيك جميع قبائل الأرض. فذهب أبرام (إبراهيم) كما قال له الرب وذهب معه لوط، وكان أبرام (إبراهيم) ابن خمس وسبعين سنة لما خرج من حاران".

    وبعد أن عاش بها ذهب إلى مصر، ثم عاد، مرة أخرى، وقومه إلى أرض كنعان (فلسطين). سكن إبراهيم (أبرام) في أرض كنعان. "ظهر إله المجد لأبينا إبراهيم وهو في ما بين النهرين قبلما سكن في حاران وقال له اخرج من أرضك ومن عشيرتك، وهلمّ إلى الأرض التي أريك. فخرج حينئذ من أرض الكلدانيين (أور) وسكن حاران، ومن هناك نقله بعد ما مات أبوه إلى هذه الأرض التي أنتم الآن ساكنون فيها، ولم يعطه فيها ميراثاً ولا وطأة قدم، ولكن وعد أن يعطيه ملكاً له ولنسله من بعده ولم يكن له بعد ولد".

2. القدس في التوراة

    القدس مدينة قديمة، كشفت أعمال التنقيب عن آثار لوجودها، تعود إلى العهد الـبرونزي القديـم حوالي (2100 ـ 2200 ق.م).

    أما في التوراة، فيرتبط اسم المدينة باسمَي ملكي صادق وإبراهيم ـ u وملكي صادق هو "ملك ساليم وكاهن الإله العلي" (سِفرا التكوين والعبرانيين)، وساليم هي أوروسالم أو أورشاليم (أي مدينة السلام)، وملكها هو الملك الكنعاني، الذي كرّمه إبراهيم نفسه ـ u وهو رمز الاستمرار الكنعاني السامي في فلسطين، ورمز للأصل الكنعاني للقدس، ودفع له إبراهيم u العشور، وكان أعظم من إبراهيم.

    جاء في التوراة، أن إبراهيم ـ u حين همَّ بذبح ابنه إسماعيل، (وهو إسحاق، حسب العهد القديم)، أخذه إلى صخرة على جبل الموريا (هي اليوم في ساحة الحرم الشريف)، "في ذلك اليوم قطع الرب مع أبرام ميثاقاً، قائلاً: لِنَسلِكَ أُعطي هذه الأرض من نهر مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات".

    ومن هنا، كانت أهمية القدس الدينية عند اليهود، لأنها في مفهومهم وعد الله لإبراهيم ـ u حين قال له: "اذهب من أرضك ومن عشيرتك ومن بيت أبيك إلى الأرض التي أرُيك. فأجعلك أمة عظيمة وأباركك وأعظم اسمك وتكون بركة. وأبارك مباركيك ولاَعِنُكَ ألعنه. وتتبارك فيك جميع قبائل الأرض. فذهب أبرام كما قال له الرب وذهب معه لوط وكان أبرام ابن خمس وسبعين سنة لما خرج من حاران".

    وهذا العهد، الذي قطعه الله لإبراهيم، ثم أكده وجدّده لإسحاق ويعقوب، أصبح عهداً لكل "الشعب اليهودي أثناء وجوده في سيناء بعد الخروج من مصر بالوصول إلى أرض الميعاد. ومع أن المسيحية والإسلام، يريان أن العهد كان مشروطاً بطاعة الله، والتزام أوامره ونواهيه، رأت اليهودية المعاصرة، أن طاعة الله هي المشروطة بتحقيقه وعده (أو العهد) الذي قطعه بإعطاء اليهود "أرض الميعاد".

    وإذا كانت الأراضي المقدسة، "أرض الميعاد"، هي التحقيق المباشر للعهد الإلهي لإبراهيم وذريته من إسحاق، فإن هذا العهد (وهو وحي الله إلى إبراهيم) موجود في تابوت العهد (الذي صنعه موسى، وضم فيه كتاب العهد، وهو ألواح موسى الشهيرة). ومن هنا كانت قداسة مدينة أورشليم، التي اندمج مصيرها، الديني والسياسي، في مصير مملكة داود وهيكل سليمان. فقد جعل داود القدس عاصمة لمملكته، ثم نقل إليها تابوت العهد، وخطط لبناء هيكلٍ مقدس، شيده ابنه سليمان، حوالي عام 1007 ق. م، لحفظ تابوت العهد وتقديسه.

    ومن هنا أيضاً، فإن كل الصلوات والتبريكات والابتهالات في اليهودية، مرتبطة بالأرض، التي أصبحت الأرض المقدسة. إذ إن وحي الله موجود حيث يوجد تابوت العهد. يُميز هذه الأرض أن الله وعد بها الذين عقدوا معه عهداً أو ميثاقاً (شعب الله المختار، هو شعب العهد الإلهي). إن مقام القدس الديني يتصل، إذاً، اتصالاً وثيقاً، ومباشراً، بتاريخ داود، الذي استولى على المدينة من اليبوسيين، حوالي عام ألْف قبل الميلاد.

    ولكن هل يبرر العهد، أو الوعد الإلهي، الوسائل التي استخدمتها قبائل بني إسرائيل (الأسباط)، لطرد السكان الآخرين من أرض الميعاد؟ نعم، وبالتأكيد. ذلك أن سِفر التثنية، لا يسمح فقط لليهود بما ارتكبوه من فظائع، بل يأمرهم بألاّ يكون عندهم رحمة تجاه الأمم من الأغيار (غير اليهود)، سكان البلاد (فلسطين)، لأن التعايش مع هذه الشعوب، يهدّد باختراق طقوس العقيدة اليهودية. أما الموقف الإنساني المتسامح من السكان المدنيين، فمطلوب فقط في الحروب، التي يخوضها بنو إسرائيل خارج حدود أرض الميعاد.

    ولا بدّ من مقارنة سِفر الخروج (الإصحاح 23: 23 - 33) بسِفر التثنية (الإصحاح 7: 15 ـ 16)، لأخذ صورة وصفية لهذا الأمر الإلهي المزعوم. ففي سِفر التثنية (المقاطع المذكورة آنفاً 10 ـ 18) أوامر قطعية بوجوب تصفية هذه الشعوب تصفية جسدية شاملة، أي إبادة كاملة. في حين أن سِفر الخروج، يؤكد ضرورة "طردهم من أرض الميعاد" (وهنا تكمن الأصول العقائدية للاختلاف بين المتطرفين والمعتدلين، أو الصقور والحمائم في إسرائيل اليوم).

    وعلى الرغم من أن التوراة، لا تحتوي على ما يؤكد، أو يشير إلى تقديم تسوية أو مساومة مع بقية الأمم والجماعات، التي سكنت " الأرض المقدسة "، فإن حكماء صهيون (علماء القرون الأولى، من رجال فِقه وتشريع)، قالوا إن النبي يشوع، أرسل ثلاث رسالات إلى الأمم: في الأولى تشجيع لهم على ترك الأرض سِلْماً، وفي الثانية دعوة لهم إلى الاستسلام والخضوع لإسرائيل، وفي الثالثة دعوة لهم للاستعداد للحرب، في حال رفضهم الخيارين السابقين. ومعروف مبلغ وحشية يشوع في حروبه مع سكان فلسطين، حسب ما ورد في التوراة، إذ نقرأ، أيضاً، في تبرير هذه الوحشية: "ودفعهم الرب إلهك أمامك وضربتهم فأنك تحرمهم لا تقطع لهم عهداً ولا تشفق عليهم".

    انقسمت مملكة داود، بعد وفاة ابنه سليمان، الذي "لم يكن مخلصاً للعهد الإلهي". فكانت عاقبة عدم إخلاصه غضباً إلهياً على سياساته وممارساته، نتج منه الانقسام السياسي، عام 930 ق.م، إلى مملكتين: مملكة إسرائيل في الشمال، (السامرة) وعاصمتها شكيم. ومملكة يهوذا في الجنوب، من عشيرتَي داود وبنيامين (وهي الأقلية)، وعاصمتها أورشليم. وقد ظلت أورشليم عاصمة سياسية ودينية للأقلية من عشيرتَي داود وبنيامين حتى السبي البابلي (587 ق.م)، حين استولى عليها "نبوخذ نصر" (579 ق.م)، وهدمها بالكامل، وسبى ملكها "حزقيا / صدقيا" إلى بابل.

    وفي عام 538 ق.م، اجتاح قورش الفارسي Cyrus the Great مدينة بابل، وسمح للعبرانيين المنفيين بالعودة إلى القدس، فعادت أقلية ضئيلة منهم، فيما اكتفى الباقون بإعانتهم مادياً. واستوطنت هذه الأقلية في مملكة يهوذا القديمة، حيث رَمّم الهيكل النبيان "حجاي" و"زكريا"، بينما أعاد "عزرا" و"نحميا" إقامة الطقوس الدينية، حسب التشريع الكهنوتي المدوّن في سِفرَي اللاويين والأعداد. وحين جاء الإسكندر المقدوني، ودمّر إمبراطورية الفرس، اجتاحت جيوشه فلسطين، ومنها بقايا مملكة يهوذا، ما أدى إلى إدخال عبادة "الإله الأكبر زيوس" إلى الهيكل، وتدنيس المدينة ومقدسات الهيكل. وتبع ذلك ثورة الكاهن ماتاتياس وأولاده الخمسة، الذين دمروا الهياكل الأجنبية، وأعادوا تخصيص الهيكل اليهودي لعبادة إله إسرائيل (يُعد عيد الخانوقة اليهودي تذكيراً بهذا التخصيص)، حتى احتلها الرومان عام 63 ق.م. وفي عهد الرومان، وبالتحديد زمن "هيرودوس الأدومي"، الذي عيّنه الرومان ملكاً على يهوذا (اليهودية)، جرت أعمال توسيع الهيكل، وتجميله، وتحصينه بسور. وعندما عزل الحاكم الروماني أوغسطوس أرخيلاوس، ابن هيرودوس، (سنة 6 ميلادية)، وأعاد السلطة إلى الرومان، جرت ثورات شعبية يهودية متفرقة، بلغت ذروتها في الثورة العامة عام 66 ميلادية، التي انتهت بحصار تيتس للمدينة، وسقوطها في عام 70 م، وهدم المعبد، وتشتيت اليهود.

    وإضافة إلى القمع، وأعمال محو الطابع اليهودي وإزالته من البلاد، نسف الرومان القدس كلها، ثم أعادوا بناءها، أيام الإمبراطور "إيليوس أدريانوس"، فحملت المدينة اسمه، وبنى فيها معبداً لـ "جوبيتر" في موقع الهيكل القديم. وإلى هذا التاريخ تعود طقوس وعادات البكاء والمناحات على الهيكل، فصحّ فيها ترديد الآية، المعروفة في أسبوع الآلام الماروني: "أيها اليهود، هو ذا بيتكم يترك لكم خراباً، فقد حُرِمْتم من الملكوت والكهنوت والنبوة". وقد أسهم استذكار الغضب الإلهي ووعيد أورشليم، في إعطاء شحنة رمزية عاطفية أقوى، لمفهوم مركزية القدس في الحياة الدينية لليهود. ذلك أن القدس سَقطت ودُمرت، عقاباً على ما فعله ملوكها وشعبها. وينبغي، على الدوام، تذكر ما حدث حتى تُصبح التوبة والتكفير والعودة إليها أمراً ممكناً، واستعادتها، كرمز للإخلاص الديني للتوراة، كما للبقاء القومي لليهود، إذ من دونها وخارجها، لا توراة، ولا يهود.

    إن أورشليم "المدينة الخائنة للعهد"، عهد الرب، خائنة في شخص ملوكها وكهنتها وشعبها، الذين عبدوا الأوثان، ومارسوا ممارسات الأمم المخزية، فاضطهدوا الأنبياء، وامتهنوا تعاليمهم. فقام النبي إشعياء يصرخ في وجه المدينة الخائنة، والنبي حزقيال يتنبأ لها بالانهيار والانحلال، وبضياع صفتها الدينية، لأن الرب عزم على الابتعاد عنها.

    هذه الذكريات، التي تحمل معنى الندم وعقاب الذات، عند استذكار خطايا الآباء، تدفع إلى التمسك بمحاولة أورشليم إعادة عبادة الله، كما ينبغي أن تكون عليه، وتأكيد وفاء الشعب للميثاق وللعهد مع الرب. إن معيار إيمان الشعب، يصبح، إذاً، إعادة أورشليم، وإعادة الهيكل، وتابوت العهد فيه. لقد تركز الطابع القدسي والوعد الإلهي، أو العهد، في مكان محدد، هو الهيكل، أصبح هو الحقيقة، وهو الوعي والتاريخ. فالهيكل يمثل حضور الإله بين شعبه (العهد في التابوت)، ويرمز إلى وحدة هذا الشعب الدينية، من خلال ارتباط الحياة الدينية لليهود، منذ السبي، بالنبوءات التي نسجت حول أورشليم والعودة إليها، وإعادة بناء الهيكل فيها.

    فالقدس عندهم هي حارسة تابوت العهد، الحاوي للوصايا الإلهية. وهي مدينة الهيكل، الفريد في نوعه، وهو المكان الوحيد، الذي في الإمكان عبادة الله فيه عبادة حقيقية، وتقديم القرابين له (فالعبادة ترتبط بالقرابين والأضاحي). وحين هُدم الهيكل، ونشأت الكنائس (اليهودية) في بعض بقاع فلسطين أو اليونان أو إيطاليا، لم تكن لهذه البيوت Synagogue الوضعية أو الأهمية نفسها، التي كانت للهيكل، إذ اكتُفي فيها بقراءة الوصايا والمجادلات اللاهوتية. إلا أن هذه الأماكن، لم تَعْرف عظمة مزامير "يهوه" وأبواقه، كما عرفتها القدس. ولم تعرف "قدس الأقداس". وكل الطقوس الدينية، تظل ناقصة، أو غير صحيحة، ما دامت لا تتم في القدس، حيث المعبد الحقيقي، والمحراب الحقيقي، والمذبح الحقيقي. وكل الأضاحي والقرابين، لا قيمة لها، ولا احتساب، إن لم تُقدَّم في القدس.

    إن مركزية القدس في القانون والتاريخ اليهوديين، هي التي تسبغ عليها الأهمية الروحية اليهودية. ففي التوراة أنه "من صهيون ستأتي التوراة، وكلمة الله تأتي من القدس". وصهيون، حسب التفسير التوراتي، هو الاسم الملازم للقدس، والذي كان يشير إلى جبل الهيكل (جبل الموريا)، ثم أصبح يشير إلى القدس العاصمة، ثم إلى مجموع الأراضي المقدسة.

3. القدس والمسيح (من المنظور اليهودي)

    تُعَدّ قضية المسيح ـ u من أخطر القضايا الخلافية لدى اليهود، لِما لها من انعكاسات على قضية القدس. وعلى الرغم من أن تاريخ ظهور المسيح ـ u في فلسطين، يقترب من نحو عشرين قرناً، فاليهود يعترفون به ويتنكرون له. يضاف إلى ذلك ما تتولاه جماعات مختلفة منهم، بين الحين والآخر، من نشر مُفتَرَيات وادعاءات غير صحيحة، مدعية أن شخصاً اسمه يسوع، أعد نفسه ليقوم بدور المسيح، وأنه دبّر بنفسه حادثة الصلب. وهكذا، تبرر الإشكالية في تفريقهم بين يسوع والمسيح. فاليهود يدّعون أنه عندما ظهر يوحنا المعمدان، يعلن اقتراب ملكوت الله، ويدعو الناس إلى التوبة، وإنقاذ أنفسهم من الغضب الآتي، لم يكن أمام شخص مثل يسوع، سوى الاعتقاد في أنه المسيح المنتظر، وأن يعلن، بدوره، أن الزمان قد اكتمل.

    "وعندما اقتنع يسوع أنه المسيح، فقد كان هذا يعني بالنسبة إليه أن يعمل أعمال المسيح، كما ألمح إليها الأنبياء السابقون. وكان عليه أن يحقق المثل الأعلى في السلوك القويم للإنسان وفي علاقته بالله. ولم يكن هناك شيء يمكن أن يُحْبط عزيمته مثل الاهتمام بالحياة، أو الخوف من ميتة مثل ميتة الخونة والغادرين. ولقد استخدم يسوع ذهنه المتوقد، لكي يفوق خصومه في القيادة والحيلة والدهاء، وأن يُجْبِر مشاريعهم على أن تطابق أهدافه. لقد وضع خططه بعناية، ثم أخرجها إلى حيز التنفيذ، وأخرج كلماته بحرص وعناية، واختارها بدقة لتحقق أغراضه. وعلى الرغم من أن شريعة حب الأقارب، كانت تتردد على لسانه، فقد كان كلامه اللاذع يَنِّمُ على النفاق والمداهنة، وهو لم يكن متكبراً، إلا أنه لم يكن متواضعاً كذلك".

    وماذا يعني لفظ "ابن الإله"؟ إن المسيح المنتظر، لم يُعْرَف بهذا الاسم. وإذا كان يظن أن له علاقة بنوة بالله، فإن تلك الفكرة لم تكن تعني ألوهيته. إن بنوة الله كانت تعني شيئاً مختلفاً تماماً، عند اليهود، عما كان في أذهان أصحاب العقائد الوثنية.

    إن الأناجيل تُصرُّ على أن يسوع كان على علم مسبق بما كان ينتظره، وأنه استخرج ذلك من الكتب، وعلى الأخص عندما سحب من بطرس اعترافه، في قيصرية فيلبس، بأنه المسيح: "من ذلك الوقت، ابتدأ يسوع يُظهرُ لتلاميذه، أنه ينبغي أن يذهب إلى أورشليم، ويتألم كثيراً من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة وَيقُتَل، وفي اليوم الثالث يقوم".

    إن ما فعله يسوع، في سنواته الأولى، هو أن تعرّف بالمسيح في مختلف مراحل حياته، حسبما تقول النبوءات. فقد أيقن في نفسه بضرورة معاناة الآلام، على الرغم من صموده وانتصاره. ولقد طبق على نفسه ما كتبه سلفه داود، الذي كان خارجاً على قانون ملك (شاول)، يحاول اصطياده. ولكن الله اختاره ليحكم شعبه، إسرائيل. وكذلك ما كُتب عن طرد مثل أولئك الرسل، الذين سخر منهم الملوك والكهنة وأدانوهم. فكل هذه الكتب، وغيرها كثير، كانت تشير إلى ما ينتظر المسيح. لقد كانت هناك توليفة من ألوان مختلفة، ترسم صوراً للمسيح، الذي يكون نبياً، مثل موسى، الذي يقاسي الآلام ـ ابن داود ـ ابن الإنسان. ولقد صاغ يسوع كل هذا في قالب واحد، يحدد شخصية المسيح.

4. دخول أورشليم (من المنظور اليهودي)

    كان على يسوع أن يُعِدّ الآن للجزء الأشد خطراً في مهمته، والذي يحتاج إلى الكثير من الحذر وحسن التنظيم والتوقيت. وكان عليه ألاّ يستعين بأحد من تلاميذه لمساعدته على خطته المقبلة. وبهذه الوسائل والتكتيكات، استطاع يسوع أن يضمن لنفسه الحماية وحرية الحركة، حتى يؤدي رسالته دون عائق.

    وتقدم يسوع، صاعداً إلى أورشليم، كما يخبرنا لوقا الذي اختار ألفاظه هذه بدقة، وعندما اقترب من أورشليم، جاء الوقت لتنفيذ أول خطوة، سبق أن خطط لها في الشتاء. وهذه الخطوة نعتقد أنه عهد بها إلى أليعازر في "بيت عنيا"[1]، ولم يطلع عليها أحد من تلاميذه الاثني عشر. فعند مدخل قرية بيت عنيا، كان يجب الاحتفاظ بجحش مربوط، لا يسلمه الموجودون هناك إلا للرسل، الذين يبلغونهم أن الرب محتاج إليه. ولقد دعا يسوع إليه اثنين من تلاميذه وقال لهما: "اذهبا إلى القرية، التي أمامكما. فللوقت، وأنتما داخلان إليها، تجدان جحشاً مربوطاً، لم يجلس عليه أحد من الناس، فحلاّه وأتيا به، وإِن قال لكما أحد، لماذا تفعلان هذا، فقولا الرب محتاج إليه، فللوقت، يرسله إلى هنا". ونُفذ كل شيء حسب الخطة المرسومة. فقد عاد التلميذان بالجحش، وهما مندهشان من نبوءة يسوع. ولكن، فجأة، فهِم بعض الأشخاص مضمون ما كان يجري حولهم، إذ إِن لوقا يقول إن التلاميذ كانوا يظنون أن ملكوت الله عتيد أن يظهر في الحال، فقد كان هذا مكتوباً في سفر النبي زكريا (لا تخافي يا ابنة صهيون، هو ذا مُلْكُ أبيك يأتي على جحش ابن أتان). وكثيرون فرشوا ثيابهم عليه، وركب يسوع الدابة، وانطلقت الصيحات "مبارك ابن داود". إن يسوع هو المسيح، فقد تحققت النبوءة، حين امتطى ظهر حماره. لقد صمت يسوع وسط الضجة، التي افتعلها الجمع من حوله، وظهر من عينيه بريق الرضا والسرور، فإن تلك اللحظة، تعدل كل سنوات الانتظار، وكل المصاعب التي قابلها، بل التي سيقابلها أيضاً. لقد رأينا، آنفاً، كيف اتفق يسوع مع أليعازر على أن يدبّر له جحشاً، يربط عند الطرف الشرقي لقرية بيت عنيا، لكي يكون جاهزاً لتسليمه للرسل، الذين يذهبون ومعهم إشارة كلامية خاصة.

    أما عن أسبوع الآلام وصلب المسيح، فقد كان اتجاه المسيحيين دائماً، كما قررته الكنيسة، إدانة اليهود بجرم الصلب وغسل يد بيلاطس[2]  Pontius Pilate منه.

    وقد كانت ضيعة جيشماني من الأماكن المفضلة ليسوع، فكثيراً ما ذهب إليها مع تلاميذه. ولكنه شعر، هذه المرة، بحاجته إلى من يؤنسه، لذلك، اصطحب بطرس ويعقوب ويوحنا. ويذكر مرقص أنه ابتدأ يدهش ويكتئب، فقال لهم نفسي حزينة جداً. وحتى ذلك اليوم، كان يسوع يعتقد أن الآلام، التي تنتظره، هي في الغالب آلام غير شخصية. والآن، لقد أتت الساعة، وخارت قواه النفسية والبدنية، وقد يموت من شدة الكرب. وبدأ يسوع يُصَلي، لكي تتخطاه الساعة إن أمكن، ولكن لتكن إرادة الله. وما أن انتهى يسوع من كلامه، حتى جاء يهوذا في صحبة قوة أرسلها المجمع، وقبض عليه بسرعة. وهناك قال يسوع بضع كلمات، ليهوذا ولرئيس القوة، اختلفت فيها الأناجيل. وحسب رواية لوقا، نجد حاشية من النساء اللواتى، كنّ يلطمن وينحبن عليه، قد تبعن يسوع إلى مكان الصلب، ومن هؤلاء الذين وقفوا إلى جانب الصليب، نجد ذِكراً لأمه والتلميذ الذي كان يحبه، ولم يكن هناك أحد من التلاميذ.

    إن الروايات التي تحكي ما حدث في موقع الجلجلة (تل الإعدام) متضاربة. وقد تكلم كل إنجيل عن ظروف تخالف ما ذكرته الأناجيل الأخرى، واستخدم الخيال في إضفاء جو من الرهبة على عملية الصلب، وحاول أن يجعلها شيئاً له دلالته ومغزاه.

    ويجب ألاّ يغيب عن أذهان (اليهود)، أن يسوع خطط لقيامته، كما سبق أن خطط للأحداث، التي أدت إلى الحكم بإعدامه. ويجب أن ندرك تماماً أن تخطيط يسوع، قد وضع بعناية وتوقيت مضبوط. فلقد اختار عيد الفصح ليعاني فيه، وتهرب من أي محاولة للإمساك به قبل ذلك. وفي النصف الأول من أسبوع الآلام، أظهر نفسه أمام الجمهور، بنشاطه في الهيكل، وعَمل على إحراج السلطات الدينية إلى آخر المدى، حتى صممت على إهلاكه لدى أول فرصة لا تحدث فيها إثارة للجماهير.

    لكن يسوع كان حريصاً على عدم تمكينها من هذا، وذلك بمغادرة أورشليم قبل حلول الظلام. ولم يحدث أن زاد يسوع من ضغطه على يهوذا قبل مساء الأربعاء، مما اضطر هذا الأخير إلى الذهاب إلى المجمع، عارضاً خيانته. وباتفاقيات يسوع السرية، قدر أن عملية القبض عليه لن تتم قبل مساء الخميس، بعد أن يكون قد تناول العشاء الأخير مع تلاميذه في أورشليم.

    إن كل هذا يؤيد أنه قصد أن يكون الصلب يوم الجمعة، وهو عشية السبت. وبالحساب، وجد أن المجمع لن يستطيع الحصول من بيلاطس على تصديق بإدانته، قبل انقضاء ساعات عدة من صباح الجمعة. ولمّا كان واثقاً أنه لن يُتْرك على الصليب إلى يوم السبت، حسب العادة، وإنما سينزل عنه قبل غروب شمس الجمعة، لذلك، قدر يسوع بحسابه هذا، أنه لن يبقى على الصليب أكثر من بضع ساعات، على حين جرت العادة، أن يمتد عذاب الصلب، الذي كان يعانيه المصلوبون، قبل موتهم، إلى بضعة أيام. لقد اعتمد يسوع على تنبؤات العهد القديم وإشاراته، التي فهم منها أنه على الرغم من تآمر الحكام ضده، لإهلاكه (لكونه المسيح كما في المزمور 3)، فإن رحمة الله سوف تتداركه في النهاية، وتكتب له حياة.

    وأخيراً، جاء المسيح، الذي انتظره اليهود طويلاً. وكم كانت الصدمة عنيفة، حين وقف يدعوهم، أول يوم، إلى التجرد من ماديات الأرض، والعيش في سلام ومحبة وتسامح، ثم يعدهم بميراث في السماء. فقد وقف المسيح ـ عليه السلام ـ على الجبل، يقول:

"طوبى للمساكين بالروح لأن لهم ملكوت السماوات".

"طوبى لصانعي السلام لأنهم أبناء الله يدعون".

"طوبى للمطرودين من أجل البر لأنه ملكوت السماوات".

    ثم ما لبث المسيح أن قذف بسهم، أصاب مقتلاً من كثير من القلوب، وذلك حين قال: "لا تكنزوا لكم كنوزاً على الأرض، بل اكنزوا في السماء، حيث يكون كنزك هناك يكون قلبك". "لا أحد يقدر أن يخدم سيدين، لا تقدروا أن تخدموا الله والمال".

    بعد ذلك، لم يبق هناك شك في أن هذا المسيح، لا يتفق وذلك الذي ألهبت صورته الفكر اليهودي المادي لبعض مئات من السنين، حين بات يحلم به ملكاً متوجاً، يعيد مملكة داود، ذات الحرس والحدود، بكل عنفها وجبروتها.

وقد استمرّ المسيح يحدث اليهود عن المملكة الحقيقية التي تكلمت عنها الأسفار المقدسة، ويضرب لهم الأمثال حتى يعوا مملكة الموعد، أو ملكوت السماوات، ولكن عمله هذا، كان صرخة في وادٍ. "فتقدم التلاميذ، وقالوا له لماذا تكلمهم بأمثال؟ فأجاب وقال لهم .. لأنهم مبصرون لا يبصرون، وسامعون لا يسمعون ولا يفهمون. فقد تمت فيهم نبوّة إشعياء القائلة تسمعون سمعاً ولا تفهمون، ومبصرون تبصرون ولا تنظرون لأن قلب هذا الشعب قد غلظ".

    ولمّا يئس المسيح من اليهود، ساق إليهم نذيره الأخير بالخراب، ونزع ملكوت الله منهم إلى الأبد: "أيها الحيات، أولاد الأفاعي، كيف تهربون من دينونة جهنم يا أورشليم، يا أورشليم، يا قاتلة الأنبياء، وراجمة المرسلين إليها، كم مرة أردت أن أجمع أولادك، كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها، ولِم تريدوا هو ذا بيتكم يُتْرك لكم خراباً". "لذلك أقول لكم إِن ملكوت الله يُنْزع منكم ويُعْطى لأمة تعمل أثماره".

    ولقد ظل الكثير من اليهود، حتى أولئك الذين آمنوا بالمسيح، غارقين في صورة المملكة الأرضية، لم يستطيعوا التخلص منها، إلى درجة أنهم حاولوا تنصيبه ملكاً على إسرائيل، إلا أنه رفض ذلك. ولقد قال المسيح بوضوح: "مملكتي ليست من هذا العالم".

    وقد تحدث المسيح عن أولئك المسحاء الكَذَبة، وعن الفرق بينه وبينهم. فقال لليهود إنه جاء يدعوهم، باسم الله، إلى مملكة الحق والخير، فلم يقبلوه، لكن "إن أتى آخر باسمِ نفسه، فذلك تقبلونه". (اُنظر صورة باب ستنا مريم)

ثالثاً: من المنظور المسيحي

    شكّل نشوء المسيحية عن اليهودية، وتحول الديانة الرسمية للإمبراطورية الرومانية إلى النصرانية، حدثاً محورياً للديانة اليهودية، أدى إلى إضعافها تماماً، كديانة توحيد في مقابل صعود المسيحية. مما آل إلى بداية انعزال الديانة اليهودية، بعيداً عن تأثير الديانة المسيحية الصاعدة ومزاحمتها، الأمر الذي أسفر عن نمو دور التراث التفسيري للتوراة (أي التلمود). ثم كان الاضطهاد الديني، الذي مارسته أوروبا المسيحية ضد الديانة اليهودية، واليهود عموماً، هو حجر الزاوية، الذي تأسست بسببه ركائز الصهيونية، كقومية سياسية للديانة اليهودية، ونجم عنه ابتعاد اليهود عن مرجعياتهم ومصادرهم الأصلية. فضلاً عن أنه بعد مجيء المسيح ـ u ومنذ اندلاع ثورتهم الكبرى، عام 66 بعد الميلاد، لم يقم لمعبد اليهود (الهيكل) قائمة.

1. المرجعيات اليهودية من المنظور المسيحي

    أ. موضوع العهد الإلهي

    ترى المسيحية أن العهد، الذي أعطاه الله لليهود، عهدٌ له شروط. يقول الرب لليهود: "فالآن إن سمعتم لصوتي وحفظتم عهدي تكونون لي خاصة من بين جميع الشعوب. فإن لي كل الأرض. وأنتم تكونون لي مملكة كهنة وأمة مقدسة". وقد وافق اليهود على هذه الشروط، وقالوا لموسى ـ u "فأجاب جميع الشعب معاً وقالوا كل ما تكلم به الرب نفعل"، فكُتب هذا العهد في الكتاب.

    "وأخذ (موسى) كتاب العهد وقرأ في مسامع الشعب، فقالوا كل ما تكلم به الرب نفعل ونسمع له". وقال الرب لموسى: "اكتب لنفسك هذه الكلمات لأنني بحسب هذه الكلمات قطعت عهداً معك ومع إسرائيل".

    وتكرر المعنى نفسه، في سفر التثنية، وهو معنى إلزام اليهود بشرطَي السمع والطاعة للرب، وإلا فمصيرهم مصير بقية الشعوب، التي نسيت وابتعدت عن الصراط المستقيم: "جميع الوصايا التي أنا أوصيكم بها اليوم، تحفظون لتعملوها". "وإن نسيت الرب إلهك وذهبت وراء آلهة أخرى وعبدتها وسجدت لها أشهد عليكم اليوم أنكم تبيدون لا محالة كالشعوب الذين يبيدهم الرب من أمامكم، كذلك تبيدون لأجل أنكم لم تسمعوا لقول الرب إلهكم".

    كذلك، أنكر المسيح على الظّلَمَةِ من بني إسرائيل القول ببنوّتهم لإبراهيم: "قال لهم يسوع: لو كنتم أولاد إبراهيم لكنتم تعملون أعمال إبراهيم ... أنتم من أب هو إبليس وشهوات أبيكم تريدون أن تعملوا ذاك كان قتالاً للناس من البدء، ولم يثبت في الحق لأنه ليس فيه حق".

    وبيّن المسيح أن طريق الخلاص وميراث ملكوت الله، ليسا حكراً على بني إسرائيل، على أساس أنهم ذرية إبراهيم وإسحاق ويعقوب.

    أما في سِفري الخروج والعهد، فنحن نقرأ في عشرات المواضع، تذمر بني إسرائيل الدائم، خصوصاً حين أخرجهم موسى ـ u من مصر. وقد وصل بهم الأمر إلى عبادة العجل، الذي صنعوه من الذهب، وإلى محاولة رجم موسى وهارون، حتى قال الرب لموسى:

    "اذهب انزل. لأنه قد فسد شعبك الذي أصعدته من أرض مصر .. فالآن اتركني ليحمى غضبي عليهم وأفنيهم".

    وحتى بعد وفاة موسى ويشوع، يروي لنا سِفر القضاة سلسلة من تواريخ عبادتهم للآلهة الغريبة، حتى قال لهم الرب: "وأنتم قد تركتموني وعبدتم آلهة أخرى، لذلك لا أعود أخلصكم".

    ب. موضوع شعب الله المختار

    تنطلق المسيحية من أن الرب اختار مجموعة من الناس، كانت أقرب الأمم إلى معرفته، وعزلها عن الآخرين، لكي تقوم بحفظ الإيمان والعقيدة والشريعة، وتنقل هذا كله إلى الأمم، التي تتسلمها منها، أي إلى المسيحية.

    وحين انحرف هذا الشعب المختار عن التعاليم الإلهية، انتفت الحكمة من كونه شعباً مختاراً. وإذ سلّم للمسيحية ما في عهدته من شريعة، فإنه بات فاقداً لصفته شعباً مختاراً، خاصة أنه حين اختير شعباً لله، كان الشرط أن ينفذ وصاياه، ليكون بذلك نوراً وسط الشعوب الوثنية.

    أما عن بنوّة بني إسرائيل لإبراهيم، فإن يوحنا المعمدان هو القائل: "يا أولاد الأفاعي، من أراكم أن تهربوا من الغضب الآتي، فاصنعوا أثماراً تليق بالتوبة ولا تفتكروا أن تقولوا في أنفسكم لنا إبراهيم أباً، لأنني أقول لكم إِن الله قادر أن يقيم من هذه الحجارة أولاداً لإبراهيم".

    وفي حوار بينهم وبين السيد المسيح، "أجابوا وقالوا له أبونا هو إبراهيم، قال لهم يسوع لو كنتم أولاد إبراهيم لكنتم تعملون أعمال إبراهيم. ولكنكم الآن تطلبون أن تقتلوني وأنا إنسان قد كلمكم بالحق الذي سمعه من الله. هذا لم يعلمه إبراهيم. أنتم تعملون أعمال أبيكم. فقالوا له إننا لم نولد من زنا. لنا أب واحد وهو الله فقال لهم يسوع لو كان الله أباكم لكنتم تحبونني لأني خرجت من قبل الله وأتيت لأني لم آت من نفسي بل ذاك أرسلني. لماذا لا تفهمون كلامي. لأنكم لا تقدرون أن تسمعوا قولي. أنتم من أب هو إبليس، وشهوات أبيكم تريدون أن تعملوا".

    إذاً مع المسيح، تحقق الوعد الإلهي لإبراهيم، إذ فيه يجتمع كل المؤمنين، أياً كان أصلهم "فلا يُدْعى اسمك بعد أبرام، بل يكون اسمك إبراهيم. لأني أجعلك أباً لجمهور من الأمم". وحسب التفسير اللاهوتي المسيحي، فإن كلمة إبراهيم نفسها، معناها "أبو جمهور". وشعب الله المختار هو، إذاً، جميع المؤمنين به "وأما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطاناً أن يصيروا أولاد الله، أي المؤمنون باسمه".

    لقد مر حِينٌ على اليهود كانوا فيه شعب الله المختار، ثم انتهي هذا الزمن. وقد شرح السيد المسيح ذلك لليهود، ضارباً مثلاً بإنسانٍ كان له كرمٌ، سلّمه إلى كرّامين، ثم أرسل إليهم عبيداً ليأخذوا ثماره، فقتلوا بعضاً وجلدوا بعضاً. فأرسل إليهم عبيداً آخرين، ففعلوا بهم كذلك. وأخيراً أرسل إليهم اِبنَه لعلهم يهابونه، فقالوا إِنه الوارث، وقتلوه. وهنا سألهم السيد المسيح "فمتى جاء صاحب الكرم ماذا يفعل بأولئك الكرامين ؟ قالوا له: أولئك الأردياء يهلكهم هلاكاً ردّياً ويسلم الكرم إلى كرّامين آخرين يعطونه الأثمار في أوقاتها قال لهم يسوع…: لذلك أقول لكم إنَ ملكوت الله يُنْزَع منكم، ويعطي لأمة تعمل أثماره".

2. في نقض فكرة المملكة ومكانة أورشليم

    تنطلق المسيحية أيضاً من فكرة أن الله، في بادئ الأمر، أقام لليهود مُلْكاً، مشروطاً بأن يختار الرب الملوك، وأن يحكموا طبقاً لشريعته ووصاياه.

    إلا أنهم خالفوا هذا الشرط، ففشلت تجربة المملكة الأرضية. وهنا، ظهر المسيح ـ u فكان ظهوره عودة إلى مملكة الروح والأفكار والقلوب، إذ نادى في الناس: "ملكوت الله في داخلكم"، وتعبير "ملكوت الله" حل محل تعبير "أرض الميعاد"، إذ لا وعد من الله بأرض ميعاد لأي شعب كان. وميلاد السيد المسيح ـ u هو التحقيق الفعلي لوعد الله لإبراهيم، وللآمال التي عبّر عنها الأنبياء بقدوم المسيح المُخَلِّص. أما اليهود، فأرادوا مُخَلِّصاً من نوع شمشون الجبار، يكون مَلِكاً من نسل داود، ينقذهم من الرومان، ويقيم لهم مملكة عالمية بالقوة والسلطان، فيعيد أمجاد مملكة داود وسليمان. والسيد المسيح ـ u تمسك بالمملكة الروحية، رافضاً الملك الأرضي، فلما رأى أنهم "مزمعون أن يأتوا ويختطفوه ليجعلوه ملكاً، انصرف أيضاً إلى الجبل وحده". ويوم دخل أورشليم استقبلوه كملك "قائلين مبارك الملك الآتي باسم الرب، سلام في السماء ومجد في الأعالي". "ولما دخل أورشليم، ارتجت المدينة كلها قائلة من هذا". أما هو فقد سار إلى الهيكل، وطهره، ووبخهم على فسادهم، ثم ترك أورشليم إلى "بيت عنيا"، فتضايقوا من هذا التصرف، الذي خيّب توقعاتهم. وعندما سأله بيلاطس: هل أنت ملك اليهود ؟ أجابه "أجاب يسوع مملكتي ليست من هذا العالم لو  كانت مملكتي من هذا العالم لكان خُدامي يجاهدون لكي لا أُسَلمَ إلى اليهود. ولكن الآن ليست مملكتي من هنا"، "ملكوت الله داخلكم" "يا ابني، اعطني قلبك، ولتلاحظ عيناك طُرُقي".

    إذاً، جاء المسيح ليقيم ملكوت الله في قلب الإنسان، وليخلص الناس بالإيمان، إذ وجدهم يشبهون قبوراً مبيَّضَة تظهر من خارج جميلة وهي من داخل مملوءة عظام أموات. فقال لهم: "يا مُرَاؤُون حسناً تنبأ عنكم إشعياء قائلاً: يقترب إليّ هذا الشعب بفمه، ويكرمني بشفتيه، وأما قلبه فمبتعد عني بعيداً".

    أما أورشليم (القدس)، فهي مقدسة، بالنسبة إلى المسيحيين، لأنها مهد عيسى ـ u حيث ولد وعاش، وتعذب ومات، وقام من بين الأموات. وهي أم الكنائس، إذ كانت بداية انطلاق المسيحية إلى العالم. لقد أعطت قيامة المسيح معنى آخر للأرض لأنه خرج منها، وصعد إلى السماء، وأمسى القبر فارغاً، والمسيح في السماء.

    وبقيت القدس مقدسة، نظراً لرمزيتها، بالنسبة إلى الحواريين والتلاميذ. فأول مجمع مقدس انعقد فيها. وبالنسبة إلى بولس الرسول، كانت القدس جد مهمة، ولذا، جمع الأموال لدعم وجود المسيحيين فيها. أما لاهوتياً ودينياً، فإن القدس، مدينة الملك العظيم، فهي القدس السماوية، وليست الأرضية" وأنا يوحنا رأيت المدينة المقدسة أورشليم الجديدة نازلة من السماء من عند الله مهيأة كعروس مزينة لرجلها، وسمعت صوتاً عظيماً من السماء قائلاً هو ذا مسكن الله مع الناس، وهو سيسكن معهم وهم يكونون له شعباً والله نفسه يكون معهم إلهاً لهم".

    وقد فسر البابا شنودة، بطريرك الكرازة المرقسية للإسكندرية وسائر أفريقيا ـ الكنيسة الأرثوذكسية، هذه الرمزية فقال: إنه عندما يرتّل المسيح المزامير في صَلاته، فإنما يكون كلامه موجهاً إلى قلبه وإلى نفسه، فيدعو القلب والنفس أن يسبّحا الله. وكلمتا "أورشليم" و"صهيون" في التراتيل والصلوات، تعنيان المعنى الرمزي، ولهما في القاموس الروحي للمسيحيين، معنى مختلف عن المعنى اليهودي الصهيوني.

    ولقد رأى بعض آباء الكنيسة، أن القدس هي الإنجيل الخامس، أو أنها المدخل إلى الإنجيل. ورأى المسيحيون أرض القيامة مباركة، فكان الحج إليها ممارسة دينية، بدأت مع الإمبراطور قسطنطين وأمه، الملكة هيلانة Saint Helena، التي طهرت المدينة من آلهة الرومان، وبنَت الكنيسة عند جبل الزيتون، وفي بيت لحم.

    نخلص من كل هذا إلى أن الخلاف، لا بد أن يكون حتمياً، بين الديانة اليهودية والرسالة المسيحية. والإنجيل حافل بوقائع المشادّات، والحوار الاستفزازي، الذي يصدر عن اليهود في شأن المسيح ـ u ـ الإيقاع به، والتحريض عليه!! وفعلاً، تمكن اليهود، من خلال جواسيسهم ومالهم ونفوذهم وصراخهم المدوي: (اصلبه، اصلبه، دمه علينا وعلى أحفادنا)، من النجاح في استغلال تواطؤ الحاكم الروماني، لانتزاع حكم الصلب على السيد المسيح.

    برز، بعد المسيح، ما عُرف لدى البعض بـ "المسيحية المتهودة"، أي التي تمثل ارتداداً عن الإيمان المسيحي الحقيقي، وتعود بالمسيحية إلى اليهودية وطقوسها. ومن هنا، كان خطرها وتأثيرها البالغين في التعليم المسيحي. والواقع، أن ظهور المسيحية المتهودة، عائد إلى أن الغالبية العظمى، من التلاميذ والرسل الأوائل، كانوا من أصل يهودي. آمنوا بالمسيح، لكنهم عجزوا عن استيعاب البعد الإنساني والفلسفي للمسيحية، فبقيت اليهودية فاعلة فيهم، متحكمة في نظرتهم، وإن بدرجات متفاوتة.

    فالتلميذ يعقوب، مثلاً، دعا إلى إقامة التوراة والإنجيل وعد المسيحي، من كان يهودياً أولاً، مختتناً، حافظاً الأعياد اليهودية، مقدساً السبت، وعاملاً بالناموس اليهودي. بينما بولس أيد رأى المسيحيين من أصل كنعاني ويوناني، ودعا إلى مسيحية خالصة، متبرئة من اليهودية وشرائعها. فالخلاص والنعمة يتمان بالمسيح، والعهد القديم انتهي دوره. أما بطرس، فوقف من هذا الصراع العقائدي في منزلة بين المنزلتين.

    ومع أن المسيحية أصبحت، في القرن الرابع، الدين الرسمي للإمبراطورية الرومانية، إلا أن الصراع بينها وبين اليهودية، ظل محتدماً، سراً وعلانية، قبل الوصول إلى ما سُمَّي بالإصلاح الديني، في القرن السادس عشر، على يد مارتن لوثر Martin Luther، الذي جاء بثورته الإصلاحية، التي عرفت بالبروتستانتية أو الإصلاح الإنجيلي.

    والوقوف عند لوثر وحركته الإنجيلية ـ البروتستانتية، كان ضرورياً لمعرفة الأسباب، التي جعلت الكنائس والحركات الإنجيلية، التي انتشرت فيما بعد، لا سيما في الولايات المتحدة الأمريكية، هدفاً سهلاً للاختراق من قِبل الكنيسة الكاثوليكية، التي ما برحت تحاول الحفاظ على وحدتها ومركزيتها، ما سمح لليهود وحركتهم الصهيونية بمحاولة استغلالها أبشع استغلال.

    هذه هي صورة الوضع، مختصرة إلى أقصى حد، بين اليهودية والمسيحية. وهنا، يجدر بنا استجلاء طبيعة العوامل، التي أحاطت بالفكرة الصهيونية ووسائل عملها، التي تمخضت عن قيام إسرائيل، ووصولها إلى ما وصلت إليه الآن:

أ. دمج العهدين، القديم والجديد، أعاد الاعتبار لليهودية وعنصريتها، وأحلام معتنقيها.

ب. كان من نتائج الإصلاح الديني، الإصلاح الإنجيلي ـ البروتستانتي، التنكر للكثير من الثوابت في التقليد الكنسي والعقيدة الكاثوليكية، مثل النظر إلى اليهود على أنهم ما زالوا شعب الله المختار، وأن ثمة وعداً، بل ميثاقاً إلهياً، يمنح اليهود الأرض المقدسة. وقد ذهب البروتستانت في تفسيراتهم إلى ربط عودة المسيح بقيام إسرائيل بحدودها التوراتية، وإنشاء الهيكل الثالث في أورشليم / القدس، ليكون لائقاً بإقامته. وواكب ذلك بروز مطامع استعمارية، توحدت أهدافها مع أهداف الحركة الصهيونية. وهذا ما يفسر لنا سر التعاطف والتجاوب مع مطالب الحركة الصهيونية، في الأوساط السياسية الغربية عامة، والبريطانية بوجه خاص.

3. موقف الفاتيكان من قضية القدس:

    إن الموقف المسيحي الرسمي (الفاتيكان، ومجلس الكنائس العالمي، ومجالس الكنائس الإقليمية والمحلية)، يركز عموماً في الوجود المسيحي المستمر في الأرض المقدسة، وأن القدس مدينة مقدسة. ومن ثم، فإن هذا يعني، عملياً، تأكيد حرية الوصول إلى أماكن العبادة والأماكن المقدسة، ورعاية هذه الأماكن، وحرية الممارسة الدينية، والمحافظة على (الستاتوكو)، والاعتراف به واحترامه. وفي الناحية السياسية، تتفق الأوساط المسيحية على المطالبة بوضع خاص لمدينة القدس، يعكس الأهمية العالمية للمدينة، ويبين معناها، مع المطالبة بالتزام دولي في تثبيت وتدعيم استمرار هذا الوضع الخاص.

    وكان الفاتيكان قد طالب، منذ عام 1947، بتدويل القدس، ومنحها طابعاً دولياً، يضمن الحفاظ على الأماكن المقدسة بشكل أفضل، مع توفير ضمانات دولية لهذا الوضع. وقد تكررت هذه الدعوة في رسائل بابوية عدة.

    وقد تم توضيح الموقف الفاتيكاني وبلورته، خلال عهد البابا بولس السادس Pope Paul VI، خاصة عقب المجمع الفاتيكاني الثاني، وحركة الانفتاح العامة، التي مارسها على العالمين، العربي والإسلامي. فنقرأ في بيانات البابا بولس السادس نقاطاً محددة، حول المصالحة ورسالة العدالة والمحبة والسلام. والمعروف أن البابا بولس السادس، زار القدس وفلسطين في 4 ـ 6 يناير 1964، وألقى غير كلمة ونداء ورسالة، ما بين القدس وروما.

    ثم كانت حرب يونيه 1967، واحتلال إسرائيل القدس الشرقية، ثم ضمها إلى الكيان الصهيوني، مرحلة جديدة شكّلت الشرارة، التي أطلقت سيل المواقف السياسية الواضحة للفاتيكان، في المطالبة بجعل "القدس مدينة مفتوحة ومحرمّة" (رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة، في 5 يونيه 1967)، وفي ضرورة منح الحماية المقررة، الموعودة بها الأماكن المقدسة. وتصاعد موقف الفاتيكان إلى المطالبة بتوفير الحماية للأماكن المقدسة، طبقاً للضمانات التي يوفرها القانون الدولي (رسالة إلى بطريرك الأقباط الأرثوذكس، في 8 أغسطس 1967). ثم بالعودة للمناداة "بنظام خاص، تضمن تطبيقه مؤسسة ذات طابع دولي" (22 ديسمبر 1967). ثم تأكيد الموقف الرسمي للفاتيكان، في خطاب البابا يوحنا بولس الثاني John Paul II، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، في 2 أكتوبر 1979. ثم في حديثه مع العاهل المغربي الملك الحسن الثاني، في 2 أبريل 1980، ومقابلته مع الرئيس الأمريكي جيمي كارتر Jimmy Carter، في 21 يونيه 1980. يضاف إلى ذلك أن الفاتيكان، لم يعترف بقرار إسرائيل عام 1980 ضم القدس، وإعلانها عاصمة أبدية وموحدة.

    وفي 7 يناير 1982، استقبل البابا يوحنا بولس الثاني وزير خارجية إسرائيل، إسحاق شامير Yitzhak Shamir، على رأس وفد رسمي كبير. وفي هذا اللقاء، "أكد قداسته موقف الكرسي الرسولي المعلن في شأن الحل العادل، والوفاقي، لمسألة القدس، موضحاً ضرورة جعل المدينة المقدسة محور السلام والتلاقي بين جميع أبناء الأديان التوحيدية الثلاثة. وفي 20 أبريل 1984، أصدر البابا يوحنا بولس الثاني رسالة رسولية، في ختام "سنة يوبيل الفداء"، جعلها مخصصة للقدس، تدعو إلى إنشاء نظام خاص، يضمنه القانون الدولي، وتوافق عليه الدول موافقة، لا يحق بعدها لأي طرف من الأطراف إعادة النظر فيه".

    وفي أوائل التسعينيات، عُين الأب ميشيل صباح بطريركاً لاتينياً على القدس، وهو أول فلسطيني يشغل هذا المنصب. وعُدَّ تعيينه إشارة إلى تعاطف الفاتيكان مع الشعب الفلسطيني وانتفاضته.

    وفي عام 1992، جرت اتصالات بين الفاتيكان وممثلي الحكومة الإسرائيلية، وشُكلت لجنة مشتركة، تمهيداً لإقامة علاقات دبلوماسية. وقد جاء هذا التطور بعد حرب الخليج، وبعد دخول العرب في مسيرة مفاوضات مدريد. وفي أول جلسة للجنة المشتركة، طالب ممثلو الفاتيكان بإعفاء الممتلكات والمؤسسات الكاثوليكية في فلسطين المحتلة، من الضرائب والرسوم الجمركية. كما اعترفوا بحق إسرائيل في العيش داخل حدود آمنة. وطالبوا بإحراز تقدم في مسار المفاوضات السلمية، وتحقيق تسوية للمشكلات المتعلقة بوضع الكنيسة، قبل إقامة علاقات دبلوماسية كاملة بإسرائيل.

    وفي 23 أكتوبر 1992، زار شيمون بيريز Shimon Peres الفاتيكان. ووجّه دعوة إلى البابا لزيارة إسـرائيل. وبالفعل، زار نائب وزير خارجية الفاتيـكان إسرائيل، على رأس وفـد من الفاتيكان (18 نوفمبر 1992). وتوصل إلى اتفاق حول الموضوعات كافة، تمهيداً لإقامة علاقات دبلوماسية بين الطرفين. كما بحث، أيضاً، مسألة حرية الوصول إلى الأماكن المقدسة، وحرية العبادة.

    وفي 2 أكتوبر 1993، زار حاخام إسرائيل الأكبر، مائيرلو، الفاتيكان، وزيارته هذه من أهم الزيارات المتبادلة بين الطرفين. وفي 30 ديسمبر 1993، وقعت اتفاقية الاعتراف المتبادل بينهما، تمهيداً لإقامة علاقات دبلوماسية كاملة (اُنظر ملحق وثيقة الاتفاق النص الحرفي للاتفاق بين إسرائيل والفاتيكان). وقد دخلت هذه الاتفاقية حيّز التنفيذ في 28 يونيه 1994.




[1] بيت عنيا: قرية في ضواحي القدس.

[2] بيلاطس: القائد الروماني الذي استحثه اليهود، قتل المسيح ـ u ـ، ثم ما لبثوا أن تنصلوا من التخطيط للجريمة، وحملوه المسؤولية كاملة.